هم ﴿سماعون للكذب﴾، كرر للتأكيد، وليرتب عليه قوله :﴿أكَّالون للسحت﴾ أي : الحرام، كالرشا وغيرها، وسُمي سحتًا ؛ لأنه يسحت البركة ويستأصل المال، كما قال ﷺ " من جمع المال من نهاوش أذهبه الله في نهابر ". ثم خيَّر نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحكم بينهم، فقال :﴿فإن جاؤوك﴾ متحاكمين إليك ﴿فاحكم بينهم أو أعرض عنهم﴾، وقيل : نسخ بقوله :﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم﴾ [المَائدة : ٤٩]. والجمهور : أن ما كان من باب التظالم والتعدي فإن الحاكم يتعرض بهم ويبحث عنه، وأما النوازل التي لا ظلم فيها، وإنما هي دعاوي، فإن رضوا بحكمنا فالإمام مُخير، وإن لم يرضوا فلا نتعرض لهم، انظر ابن عطية، وقال البيضاوي : ولو تحاكم كتابيان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم، وهو قول الشافعي : والأصح : وجوبه ؛ إذا كان المترافعان أو أحدهما ذميًا، لأنا التزمنا الذب عنهم، ومذهب أبي حنيفة : يجب مطلقًا. هـ.
﴿وإن تُعرض عنهم فلن يضروك شيئًا﴾ ؛ لأن الله عصمك من الناس، ﴿وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط﴾ أي : العدل الذي أمر الله به ﴿إن الله يحب المقسطين﴾، فيحفظهم ويعظم شأنهم.
١٧٨
﴿وكيف يُحكمونك﴾ وهم لا يؤمنون بك، ﴿وعندهم التوارة فيها حكم الله﴾ أي : والحال أن الحكم منصوص عليه في الكتاب الذي هو عندهم ﴿ثم يتولون من بعد ذاك﴾، أو ثم يتولون عن حكمك الموافق لكتابهم من بعد التحكيم، وفيه تنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع، وإنما قصدوا به ما يكون عونًا لهم على هواهم، وإن لم يكن حكم الله في زعمهم، ﴿وما أولئك بالمؤمنون﴾ بكتابهم ولا بكتابك ؛ لإعراضهم عنه أولاً، وعنك ثانيًا، بل أولئك هم الفاسقون التابعون لأهوائهم. والله تعالى أعلم.