يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وأنزلنا إليك﴾ يا محمد ﴿الكتاب﴾ أي : القرآن ملتبسًا ﴿بالحق مصدقًا لما بين يديه﴾ من جنس الكتاب، أي : مصدقًا لما تقدمه من الكتب، بموافقته لهم في الأخبار والتوحيد، ﴿ومهيمنًا عليه﴾ أي : شاهدًا عليه بالصحة، أو راقبًا عليه من التغيير في المعنى، ﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله﴾ إليك ﴿ولا تتبع أهواءهم﴾ منحرفًا عما جاءك من الحق إلى ما يشتهونه، لكل نبي ﴿جعلنا منكم شرعة﴾ ظاهرة يصلح بها الظواهر، ﴿ومنهاجًا﴾ أي : طريقًا واضحًا يسلك منها إلى معرفة الحق، وهو ما يتعلق بإصلاح السرائر، واستُدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة.
﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة﴾ أي : جماعة واحدة متفقة على دين واحد، ﴿ولكن﴾ عدد الشرائع وخالف بينها ﴿ليبلوكم﴾ أي : يختبركم فيما آتاكم من الشرائع المختلفة، أيكم ينقاد، ويخضع للحق أينما ظهر، فإن اختلاف الأحوال وتنقلات الأطوار فيه يظهر الإقرار والإنكار، ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ أي : بادروا إلى الانقياد إلى الطاعات واتباع الحق والخضوع لمن جاء به أينما ظهر، انتهازًا للفرصة، وحيَازة لفضل السبق والتقدم، ﴿إلى الله مرجعكم جميعًا﴾ فيظهر السابقون من المقصرين، ﴿فينبئكم﴾ أي : يخبركم ﴿بما كنتم فيه تختلفون﴾ من أمر الدين بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل، والمبادر والمقصر، واختلاف الشرائع إنما هي باعتبار الفروع، وأما الأصول كالتوحيد والإيمان بالرّسل، والبعث، وغير ذلك من القواعد الأصولية، فهي متفقةح قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" نحنُ أبناء علات، أمهاتُنا شَتَّى وأبونا واحد " يعني التوحيد. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٣