يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا﴾ من شدة كفرهم، وعلبة سفههم ﴿من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ كاليهود والنصارى، ﴿و﴾ لا تتخذوا أيضًا ﴿الكفار﴾ من المشركين ﴿أولياء﴾ وأصدقاء، أو :
١٩١
لا تتخذوا من اتخذ دينكم هزوًا ولعبًا من أهل الكتاب ومن المشركين أولياء، ﴿واتقوا الله﴾ في موالاتهم ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ ؛ فإن الإيمان يقتضي الوقوف عند الأمر والنهي.
وكيف توالون من يستهزىء بدينكم، ﴿وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا﴾، رُوِي أن نصرانيًا بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول : إشهد أن محمدًا رسول الله، قال : أحرق الله الكاذب. فدخل خادمه ذات ليلة بنار، وأهله نيام، فطارت شرارة في البيت، فأحرقته وأهله). وفي الآية دلالة على مشروعية الأذان من القرآن. ثم قال تعالى :﴿ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ ؛ فإن السفه يؤدي إلى الجهل بالحق والهُزء به، والعقل يقتضي المنع من الجهل والإقرارَ بالحق وتعظيمه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد حذّر الحقّ جلّ جلاله من صحبة الأشرار، ويفهم منه الترغيب في موالاة الأخيار، وهم الصوفية الأبرار، ففي صحبتهم سر كبير وخير كثير، ولابن عباد رضي الله عنه في نظم الحكم :
إنَّ التَّواخي فضلُه لا يُنكَر
وإن خلا مِن شرطِهِ لا يُشكَر
والشرطُ فِيه أن تُوَاخِي العَارفا
عن الحظوظ واللحُوظ صَارِفَا
مقَالُه وَحَالهُ سِيّان
مَا دَعَونَا إلاَّ إلىَ الرحمان
أنوارُه دائِمَة السِّرَايَة
فِيكَ وقد حَفَّت به الرِّعَايه
وفي الحكم :" لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله ". وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩١