يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وما تأتيهم من آية﴾ دالّة على توحيد الله وكمال صفاته، إلا أعرَضوا عنها، أي : الكفار، أو : ما تأتيهم معجزة من المعجزات الدالة على قدرة الله وصدق رسوله، أو : ما تأتيهم آية من آيات القرآن تدل على وحدانية وكمال ذاته، ﴿إلا كانوا عنها مُعرِضين﴾ ؛ تاركين للنظر فيها، غير ملتفتين إليها.
﴿فقد كذبوا بالحق﴾ وهو القرآن ﴿لمَّا جاءهم﴾، وهو كالدليل لِما قبله، لأنهم لمّا كذبوا بالقرآن ـ وهو أعظم الآيات ـ فكيف لا يُعرضون عن غيره من الآيات ؟ ثم هدَّدهم بقوله :﴿فسوف يأتيهم أنباء﴾ أي : أخبار ﴿ما كانوا به يستهزئون﴾ أي : سيظهر لهم، عند نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة، ما كانوا يستهزئون به من البعث والحساب، أو عند ظهور الإسلام وارتفاعه.
الإشارة : مَن سبق له الخُذلان لا تنفعه الأدلة وتواتُر البرهان، ولا تزيده ظهور المعجزات أو الكرامات إلا التحاسد وظهور العداوات، ولا يزيده الدعاء إلى الله والتناد، إلاَّ الإعراض عنه والبعاد، نعوذ بالله من الشقاء وسوء القضاء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٦
قلت :﴿كم﴾ : خبرية، مفعول ﴿أهلكنا﴾، أي : كثيرًا أهلكنا من القرون، والقرن ؛ مدة من الزمان تهلك أشياخُها وتقوم أطفالُها، واخُتلف في حدِّها، قيل : مائة، وقيل : سبعون، وقيل : ثمانون، وقيل القرن : أهل زمان فيه نبي أو فائق في العلم، قلَّت المدةُ أو كثُرَت، مشتق من قرين الرجل. والمطر المِدرار هو الغزير، وهي من أمثلة المبالغة، كمِذكار وميناث.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ألم يروا﴾ ببصائرهم رؤيةَ اعتبار، ﴿كم أهلكنا من قبلهم﴾ من أهل عصر ﴿مكنّاهم في الأرض﴾ أي : جعلناهم متمكّنين فيها بالقرار
٢٣٧