قلت :﴿لو﴾ : شرطية، وجوابها محذوف : أي : لرأيت أمرًا فظيعًا هائلاً، وإنما حذف في مثل هذا ليكون أبلغ ما يقدره السامع. و ﴿لا نكذب﴾ و ﴿نكون﴾ : قُرىء بالرفع، على الاستئناف والقطع عن التمني، ومثَّله سيبويه بقولك :( دعني ولا أعود) أي : وأنا لا أعُود، ويحتمل أن يكون حالاً، أي : غير مُكذِّبين، أو عطفًا على :﴿نُرد﴾، وقُرىء : بالنصب ؛ على إضمار " أن " ـ بعد واو المعية في جواب التمني.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولو ترى﴾ يا محمد، أو : يا من تصح منه الرؤية، حالَ الكفار ﴿إذ وقِفُوا على النار﴾ حين يعاينونها أو يطّلعون عليها، أو يدخلونها،
٢٤٨
فيعرفون مقدار عذابها، لرأيت أمرًا شنيعًا وهولاً فظيعًا ؛ ﴿فقالوا﴾ حينئذٍ :﴿يا ليتنا نُردُّ﴾ إلى الدنيا، ﴿ولا نُكذَّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنون﴾، ندموا حين لم ينفع الندم، وقد زلَّت بهم القدم، قال تعالى :﴿بل بدَا لهم﴾ أي : ظهر لهم يوم القيامة في صحائفهم ﴿ما كانوا يُخفون من قبل﴾ في دار الدنيا من عيوبهم وقبائح أعمالهم، أو : بدا لهم حِقيّة الإيمان وبطلان ضده، عيانًا، لمَّا وقفوا الى التوحيد وعرفوه ضرورة، وقد كانوا في الدنيا يُخفونه ويُظهرون الشرك، عياذًا بالله. قال تعالى :﴿ولو رُدُّوا﴾ إلى الدنيا بعد الوقوف والظهور ﴿لعادوا لما نُهوا عنه﴾ من الكفر والمعاصي ؛ لأنهم من قبضة الشقاء، والعياذ بالله، ﴿وإنهم لكاذبون﴾ فيما وعدوا من أنفسهم من الإيمان وعدم التكذيب. وفي هذا الإخبار بما لا يكون، ولو كان كيف يكون، وهو مما انفرَد الله بعلمه.


الصفحة التالية
Icon