جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
وإن كان كَبُر} أي : عظم وشق ﴿عليك إعراضهم﴾ عنك وعن الإيمان بما جئت به، ﴿فإن استطعت أن تبتغي نفقًا﴾ أي : سريًا ﴿في الأرض﴾ فتدخل فيه لتطلع لهم آية، ﴿أو سُلَّما في السماء﴾ لترتقي فيه ﴿فتأتيهم بآية﴾ حتى يعاينوها فافعل، ولكن الأمر بيدي، فإنما أنت نذير.
قال البيضاوي : المقصود : بيان حرصه البالغ على إسلام قومه، وأنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها ؛ رجاء إسلامهم، ﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾ أي : لو شاء الله جمعهم على الهدى لوفقهم للإيمان حتى يُؤمنوا، ولكن لم تتعلق به مشيئته، وفيه حجة على القدرية. أو : لو شاء الله لأظهر لهم أية تلجئهم إلى الإيمان، لكن لم يفعل ؛ لخروجه عن الحكمة، ﴿فلا تكونن من الجاهلين﴾ أي : من الذين يحرصون على ما لم تجر به المقادير، أي : دم على عدم كونك منهم ولا تقارب حالهم بشدة التحسر. هـ.
وقال في نوادر الأصول : إن الخطاب به تربية له، وترقيةُ من حال إلى حال، كما يُربَّى أهل التقريب ويُنقلُون من ترك الاختيار، فيما ظاهرُه بِرٌ وقربة. هـ.
قلت : تشديد الخطاب على قدر علو المقام، كما هو معلوم من الأب الشفيق أو الشيخ الناصح، وقد قال لنوح عليه السلام :﴿إِنّيَ أَعِظُكِ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هُود : ٤٦]. وهذا الخطاب أشد لعلو مقامه صلى الله عليه وسلم.
الإشارة : كل ما سُلِّيت به الرسل تسَّلى به الأولياء ؛ لأنهم ورثتهم الخاصة، وكل ما أُمرت به الرسل تؤمر به الأولياء، من الصبر وعدم الحرص، فليس من شأن الدعاة إلى
٢٥٢


الصفحة التالية
Icon