يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقالوا﴾ ـ حين سمعوا ذكر البعث والرجوع إلى الله ـ :﴿لولا نُزل عليه آية من ربه﴾ تدل على ما ادعاه من البعث والرجوع إلى الله، وعلى أنه رسول من عند الله، ﴿قل﴾ لهم :﴿إن الله قادر على أن ينزل آية﴾ خارقة للعوائد، يرونها عيانًا، وتضطرهم إلى الإيمان، ﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ أن إنزالها وبالٌ عليهم ؛ لأنهم إن عاينوها ولم يؤمنوا عُوجلوا بالعقاب، أو : لا يعلمون أن الله قادر على أكثر مما طلبوا ؟.
وهذا الطلب قد تكرر منهم في مواضع من القرآن، وأجابهم الحق تعالى بأجوبة مختلفة، منها : ما يقتضي الرد عليهم في طلبهم الآيات ؛ لأنهم قد أتاهم بآيات، وتحصيل
٢٥٣
الحاصل لا ينبغي، كقوله :﴿قّدْ بَيَّنَّا الأَيَاتِ﴾ [البَقَرَة : ١١٨}، ﴿أَوَلَمْ يَكُفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت : ٥١]، ومنها : ما يقتضي الإعراض عنهم ؛ لأن الخصم إذا تبين عناده سقطت مكالمته. ويحتمل أن يكون منه قوله هنا :﴿قل إن الله قادر...﴾ الآية.
فإن قيل : كيف طلبوا آية وهم قد رأوا آيات كثيرة، كانشقاق القمر، وإخبارهم بالغيب، وغير ذلك ؟ فالجواب : أنهم لم يعتدوا بما رأوا ؛ لأن سر الربوبية لا يظهر إلاَّ ومعه شيء من أردية القهرية، وهم قد طلبوا آية يدركونها من غير نظر ولا تفكر، وهو خلاف الحكمة.


الصفحة التالية
Icon