ثم استعظم ذلك فقال :﴿وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض﴾ بالمماسة والجماع حتى تقرر الصداق واستحقته بذلك، وقد ﴿أخذن منكم ميثاقاً غليظًا﴾ وهو حسن الصحبة، أو الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، أو تمكينها نفسها منه، فإنها ما مكنته إلا لوفاء العهد في الصداق ودوام العشرة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : إذا كان العبد مشتغلاً بجمع دنياه، عاكفًا على حظوظه وهواه، ثم استبدل مكان ذلك الانقطاع إلى مولاه والاشتغال بذكر الله، حتى أفضى إلى شهود أنوار قدسه وسناه، فلا ينبغي أن يرجع إلى شيء خرج عنه لله، ولا يلتفت إلى ما ترك من أمر دنياه، فإن الرجوع في الشيء من شيم اللئام وليس من شأن الكرام، وتأمل ما قاله الشاعر :
إذا انْصَرَفَتْ نفسي عن الشيء لم تكن
إليه بوجهِ آخرَ الدهرِ تُقبِلُ
وكيف تأخذُ ما خرجت عنه لله، وقد أفضيت إلى شهود أنوار جماله وسُكْنَى حماه، فاتحد عندك كل الوجود، وكل شيء عن عين بصيرتك مفقود، بعد أن أخذ عليك مواثيق العهود، ألا ترجع إلى ما كان يقطعك عن حضرة الشهود، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
٢٦
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦
قلت : أوقع ﴿ما﴾ على ما يعقل لقلة عقل النساء، كما تقدم، أو مصدرية، والاستثناء منقطع أو متصل على وجه المبالغه في التحريم، أي لا تنكحوا ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف لآبائكم إن قدرتم عليه، فهو كقول الشاعر :
لا عَيُبَ فِيِهمْ غيَر أَنَّ سُيُوفَهُم بِهِنَّ
فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ


الصفحة التالية
Icon