﴿وكيف أخافُ ما أشركتم﴾ وهو جامد عاجز لا يتعلق به ضرر ولا نفع ؟ ﴿ولا تخافون أنكم أشركتم بالله﴾ وهو أحق أن يُخاف منه كل الخوف، لأنه القادر على الانتقام ممن أشرك معه غيره، وسوَّى بينه وبين مصنوع عاجز، لا يضر ولا ينفع، فأنتم أحق بالخوف ؛ لأنكم ﴿أشركتم بالله ما لم يُنزِّل به عليكم سلطانًا﴾ أي : لم يُنَزل بإشراكه كتابًا، ولم ينصب عليه دليلاً، ﴿فأيُّ الفريقين أحق بالأمن﴾ : أهل التوحيد والإيمان، أو أهل الشرك والعصيان ؟ ﴿إن كنتم تعلمون﴾ ما يَحق أن يُخاف منه. ثم أجاب عن الاستفهام : الحق تعالى أو خليلهُ، فقال :﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا﴾ أي : يخلطوا ﴿إيمانهم بظلم﴾ أي : بشرك، بل آمنوا بالله ولم يعبدوا معه غيره، ﴿أولئك لهم الأمن﴾ في الآخرة، ﴿وهم مهتدون﴾ في الدنيا. أما الطائع فأمنه ظاهر، وأما المعاصي فيؤمن من الخلود وتحريم الجنة عليه.
ولمَّا نزلت الآية أشفق منها أصحاب رسول الله ﷺ، فقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ لأنهم فهموا عموم الظلم ؛ فقال رسول الله ﷺ :" ليس ما تظنون، إنما هو ما قال لقمانُ لابنه :﴿يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إَنَّ الشِرْكِ لَظُلْمٌ﴾ [لقمَان : ١٣] " وقد كان المشركون يُقِرُّون بالصانع ويخلطون معه التصديق بربوية الأصنام، فقد آمنوا بوجود الصانع، ولكنهم لبسوا إيمانهم بالشرك، فلا آمن لهم ولا هداية. وبهذا يرد جهالة الزمخشري في إنكاره الحديث الصحيح، ولو بقي الظلم على عمومه ـ أي : ولم يخلطوا إيمانه بمعصية ـ لصَحَّ، ويكون المراد بالأمن أمنًا خاصًا وهداية خاصة، لكن ما قاله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يُوقف عنده.
الإشارة : العارف بالله، المتحقق بوحدانية الله، لا يسكن خوفْ الخلق في قلبه، ولا ينظر إلا إلى ما يبرُز من عند ربه، فإن وعدَه بالعصمة أو الحفظ لم يترك بذلك التضرعَ والالتجاء إلى ربه ؛ لسعة علمه تعالى، وقد يكون ذلك متوقفًا على أسباب وشروط، أخفاها
٢٧٧