رُوِي أنَّ مَالك بنَ الصَّيفِ قاله، لَمّا أغضَبَهُ النبي ﷺ بقوله :" أُنشدُكُ الله الذي أنزَلَ التَّورَاة عَلَى مُوسَى، هَل تجِد فيها أنَّ الله يبغضَ الحَبرَ السَّمِين، فَأنتَ الحَبرُ السّمِين "، فغَضب، وقال : ما أنزَلَ الله علَى بَشَرٍ مِن شَيء، فَرَّدّ الله عَلَيهِ بِما تقَّدم. وقيل : القائلون ذلك : المشركون، وإلزامهُم بإنزال التوراة ؛ لأنه كان مشهورًا عندهم يُقِرُّون به، ولذلك قالوا :﴿أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهدى مِنْهُمْ﴾ [الأنعَام : ١٥٧].
﴿وعُلِّمتُم﴾ على لسان محمد ﷺ ﴿ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم﴾، زيادة على ما في التوراة وبيانًا لما التبس عليكم على آبائكم الذين كانوا أعلم منكم. ونظيرهُ :﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقَصُّ عَلَى بَني إِسْرَاءِيلَ أَكْثَرَ الِّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النَّمل : ٧٦] أو : وعُلِّمتم من التوراة ما لم تكونوا تعلَّمتم أنتم ولا آباؤكم قبل إنزاله، وإن كان الخطاب لقريش ؛ فالذي عُلِّموه : ما سمعوا من النبي ﷺ من القَصص والأخبار.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨١
ثم أجاب عن استفهامه بقوله :﴿قُل اللهُ﴾ أي : أنزلَه الله، أو الله أنزله. قال البيضاوي : أمره بأن يجيب عنهم ؛ إشعارًا بأن الجواب بهذا مُتَعيّن لا يمكن غيرُه، وتنبيهًا على أنهم بُهتُوا بأنهم لا يقدرون على الجواب هـ. ﴿ثم ذَرهُم في خوضهم يلعبون﴾ في أباطيلهم. فلا عليك بعد التبليغ وإلزام الحجة، وأصلُ الخَوض في الماء، ثم أستُعير للمعاني المُشكِلة، وللقلوب المتفرقة في أودية الخواطر.