وقال الورتجبي : ولي هنا لطيفةٌ أخرى، أي : ولقد جئتمونا موحدِّين بوحدانيتي شاهدين بشهادتي، بوصف الكشف والخطاب، كما جئتمونا من العدَم في بدء الأمر، حين عَرَّفتُكم نفسي بقولي :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾ [الأعرَاف : ١٧٢] بلا إشارة التشبيه وغلط التعطيل، كما وصفهم نبيه ﷺ :" كُلُّ مَولُد يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ "، يعني : على فطرة الأزل بلزوم سمة العبودية بلا علة الاكتساب، عند سبق الإرادة. انتهى. قلت : وحاصل كلامه، أن مجيئهم فُرادى، كناية عن دخولهم الحضرة القدسية بعد تقديس الأرواح وتطهيرها، حتى رجعت لأهلها، كما خلقها أول مرة، أعني : مقدسة من شواهد الحس، مُطهرة من لُوثِ الإغيار، على فطرة الأزل، فشبه مجيئها الثاني بعد التطهير ببروزها الأول، حين كانت على أصل التطهير، كأنه قال : ولقد جئتمونا فرادى من الحس وشهود الغير كما خلقناكم كذلك في أول الأمر. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم﴾ أي : من العلوم الرسمية، والطاعات البدنية والكرامات الحسية، قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي العارف : كنت أعرف أربعة عشر عِلمًا، فلما علمت علم الحقيقة شرطت ذلك كله، فلم يبق لي إلا التفسير والحديث والمنطق. هـ. وقوله تعالى :﴿وما نرى معكم شفعاءكم﴾ إشارة إلى أنهم دخلوا من باب الكرم لا من باب العمل. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٣
قلت :﴿ومُخرج﴾ : معطوف على ﴿فالق﴾، على المختار ؛ لأنَّ ﴿يُخرج الحي﴾ ـ واقع موقع البيان له، و ﴿سكنًا﴾ : مفعول بفعل محذوف، أي : جعله سكنًا، إلا أن يريد بجاعل : الاستمرار، فحينئذٍ ينصب المفعول.


الصفحة التالية
Icon