وكذا يحرم عليه، صحبة من ارتضع معه في هذا الثدي قبل الفطام ؛ من الأخوة والأخوات، وكذا أمهات الخطايا، وهي حب الدنيا والرياسة والجاه، وكذلك حرمت عليكم ربائب العلائق والعوائق، لتدخلوا بلاد الحقائق، فإن لم تكونوا من أهل الحقائق فلا جناح عليكم إذ كنتم من عوام الخلائق، وكذلك يحرم عليكم ما حل لأبناء جنسكم من تعاطي الأسباب والاشتغال بها عن خدمة رب الأرباب، وأن تجمعوا بين حب الدنيا ومحبة المولى. قال الشافعي رضي الله عنه :(من ادَّعى أنه جمَعَ بين حب الدنيا وحب خالقها، فقد كذب). إلا ما قد سلف في أيام البطالة، وكذا يحرم على المريد المتجرد المستشرف على المعاني تعاطى العلوم الظاهرة، التي دخل بها أهل الظاهر وأفتضوا بكارتها ـ إلا ما ملكه قبل التجريد، فلا يضره إن غاب عنها في أسرار التوحيد، والله تعالى أعلم بأسرار غيبه.
ثم ذكر الحق تعالى ما يحلّ من النساء، فقال :
﴿... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾
قلت :﴿وأُحِلَّ﴾ عطف على الفعل العامل في " كتاب الله عليكم " أي : كتب الله عليكم تحريم ما ذكر، وأحل ما سوى ذلك. ومن قرأ بالبناء للمفعول فعطف على " حُرمت ". و ﴿أن تبتغوا﴾ مفعول لأجله، أي : إرادة أن تبتغوا. أو بدل من ﴿وراء ذلكم﴾، و ﴿محصنين﴾ حال من الواو. والسفاح : الزنا، من السفح وهو الصب، لأنه يصب المنيّ في غير محله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨


الصفحة التالية
Icon