فكما أن الحق تعالى علم حيث يجعل رسالته، علم حيث يجعل سر ولايته، وهي النفوس المتواضعة المتطهرة من رذائل النفوس ؛ كالحسد والكبر وسائر الأوصاف المذمومة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٥
قلت : من قرأ ﴿حرَجًا﴾ ؛ بالفتح، فهو مصدر وُصف به للمبالغة، ومن قرأ بالكسر، فوصف، أي : شديد الضيق، ومن قرأ ﴿يَصَّعَّد﴾ ؛ بالشد والقصر، فأصله : يتصعد، أدغم التاء في الصاد، ومن قرأ :﴿يصّاعد﴾ ؛ فأصله : يتصاعد، فأدغم أيضًا.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فمن يُرد الله أن يهديه﴾ أي : يعرِّفه طريق الحق ويوفقه للإيمان ﴿يشرح صدرَه﴾ أي : يوسعه ﴿للإسلام﴾، فيتسع له، ويقبله، ويغتبط به، ويبتهج، فرحًا وسرورًا. والشرح : كناية عن جعل النفس قابلة للحق، مهيأة لحلوله فيها، مصفاة عما يمنعها منه، وإليه أشار النبي ﷺ، حين سُئل عنه، فقال :" نُورٌ يقذفه الله في قَلبِ المؤمن، فينشرح له وينفسح " قالوا : هل لذلك أمارة يعرف بها ؟ قال " نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول ". ثم ذكر ضدَّه، فقال :﴿ومن يُرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا﴾ ؛ شديد الضيق، بحيث ينبو عن قبول الحق، فلا يدخله الإيمان، ولا ينشرح صدره له، بل يفر منه، ويثقل عليه ﴿كأنما يصَّعَّد في السماء﴾ أي : يتكلف الصعود فيه. شَبَّههُ ـ على وجه المبالغة ـ بمن يُحاول ما لا يقدر عليه، فإن صعود السماء غاية فيما يبعد عن الاستطاعة، تنبيهًا على أن الإيمان تَمَنَّع عليه كما يمتنع عليه الصعود إلى السماء، ﴿كذلك﴾ أي : كما
٣٠٦
يضيق صدر الكافر ويبعد قلبه عن الحق، ﴿يجعل الله الرجس﴾ أي : العذاب والخذلان، ﴿على الذين لا يؤمنون﴾، ووضع الظاهر موضع المضمر للتعليل.