يقول الحقّ جلّ جلاله : يوم القيامة في توبيخ الكفار :﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم﴾ أي : من مجموعكم، أو رسل الجن : نُذُرُهم الذين يبلغون لهم شريعة الأنس ؛ إذ ليس في الجن رسل على المشهور. ورَوى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك، واحتج بأنا لله تعالى أخبَر أن من الجن والإنس رسلاً أرسلوا إليهم، يعني ظاهر هذه الآية. وأجاب الجمهور بأن معنى الآية : أن رسل الإنس رسل من قبل الله أليهم، ورسل الجن يبلغون كلام رسل الأنس إليهم، ولهذا قال قائلهم :﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى﴾ [الأحقاف : ٣٠] الآية، فالرسالة إلى الجن خاصة بنبيّنا محمد ﷺ، أي : مع الإنس.
حال كون الرسل الذين أتوكم ﴿يقصون عليكم آياتي ويُنذرونكم لقاء يومكم هذا﴾ يعني يوم القيامة، قالوا في الجواب :﴿شهدنا على أنفسنا﴾ بالكفر والعصيان، وهو اعتراف منهم بما فعلوا.
قال تعالى :﴿وغرتهم الحياة الدنيا﴾ ؛ ألهتهم بزخرفها عن النظر والتفكر، ﴿وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين﴾، وهذا ذم لهم على سُوء نظرهم وخطأ رأيهم، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات الفاتية، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية، حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد ؛ تحذيرًا للسامعين وإرشادًا لهم. قاله البيضاوي.
ثم ذكر حكمة إرسال الرسل فقال :﴿ذلك﴾ الإرشال حكمته لـ ﴿أن لم يكن ربك مُهلك القرى بظلم وأهلها غافلون﴾ أي : إنما أرسلَ الرسل لئلا يكون ظالمًا لهم بإهلاكهم بسبب ظلم فعلوه، وهم غافلون عن الإنذار، بحيث لم ينذرهم أحد، أو : لم يكن مهلك
٣١٠
القرى ملتبسًا بظلم حيث أهلكهم من غير إنذار، ففاعل الظلم، على الأول : القرى، وعلى الثاني : الله تعالى، على تقدير إهلاكهم من غير إنذار. والأول يتمشى على مذهب المعتزلة، والثاني على مذهب أهل السنة. انظر ابن جزي.