الإشارة : مما ينخرط في سلك الآية : إهانة البنات وتعظيم البنين، وقد نهى الشارع ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن تخصيص الذكور بالوصية، وقال للذي أراد أن يفعله :" لا تُشهدني على جور "، وهنا إشارة أرق من هذا، وهو أن يراد بالأولاد ما تنتجه الفكرة الصافية من العلوم والمواهب، وقتلها : إهمال الفكرة عن استخراجها حتى ضاعت عليه، والذي زين له ذلك هو شرك القلب، واشتغاله برسوم الفرق، حتى تعطلت الفكرة، وماتت تلك العلوم من قلبه، وقع ذلك التزيين بأهل الفرق ليسقطوهم عن درجة المقربين ؛ أهل العلوم اللدنية والأسرار الربانية، وليلبسوا عليهم دينهم بالخواطر والشكوك، والأوهام، ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٣
قلت :﴿حِجْر﴾ : فعل، بمعنى مفعول، يستوي فيه الواحد والكثير، والمذكر والمؤنث، ومعناه : حرام، و ﴿افتراء﴾ : حال، أو مفعول من أجله، أو مصدر.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقالوا﴾ أيضًا :﴿هذه﴾ الأشياء التي جعلوها لأصنامهم، وهي ﴿أنعام وحرث﴾، هي ﴿حِجْرٌ﴾ أي : حرام محجر، ﴿لا يَطعمها﴾، لا يأكلها ﴿إلا من نشاء﴾، وهم خُدام الأوثان وسدنتها، والرجال دون النساء. قالوا ذلك ﴿بزعمهم﴾ وافترائهم من غير حجة، ﴿وأنعام﴾ أخرى ﴿حُرمت ظهورها﴾ ؛ وهي
٣١٤
البحائر والسوائب والحوامي، ﴿وأنعام﴾ أخرى ﴿لا يذكرون اسم الله عليها﴾ في الذبح، وإنما يذكرون عليه اسم آلهتهم ؛ ﴿افتراء﴾ على الله، لأنهم قسموا أموالهم على هذه القسمة، ونسبوا ذلك إلى الله ؛ افتراءً وكذبًا، ﴿سيجزيهم بما كانوا يفترون﴾ أي : بسببه فيعذبهم الله.
الإشاره : ما عاب الله على المشركين إلا الشرك والتحكم على الله، فالواجب على من أراد السلامة أن يُوحد ربه، وينفرد بكُلِّيته إليه، ويُخلص أعماله لله، ويصرف أمواله في مرضاة الله، ويقف في أموره كلها عندما حدد له الله، وبَيَّنه رسولُ الله ؛ يكونُ من أولياء الله. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon