يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قد خسر الذين قتلوا أولادهم﴾ ؛ يعني : العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي أو الفقر، ﴿بغير علم﴾ ولا دليل ؛ لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله رازق أولادهم كما يرزقهم، وليسوا هم الرزاقين لهم، ﴿وحرَّموا ما رزقهم الله﴾ من البحائر والسوائب ونحوهما ؛ ﴿افتراء على الله﴾ من عند أنفسهم، ﴿قد ضلوا وما كانوا مهتدين﴾ إلى الحق الصواب.
الإشارة : قد خسر الذين ضيعوا قلوبهم فلم تنتج لهم شيئًا من أبكار الحقائق وأسرار العلوم، بل اشتغلوا بالسفه من القول والفعل، بغير علم ولا بصيرة نافذة، وحرموا ما رزقهم الله من العلوم والأسرار، لو طهروا قلوبهم، وخربوا ظواهرهم وخرقوا عوائدهم، لكنهم حكموا على فعل ذلك بالتحريم، تجمدوا على علم الرسوم وحفظ المروءة، والمروءة إنما هي التقوى والدين، كما قال الإمام مالك رضي الله عنه، قد ضلوا عن طريق الوصول، وما كانوا مهتدين إلى طريق الخصوص، ما داموا على ما هم عليه من زيّ اللصوص.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٥
قلت :﴿مختلفًا﴾ : حال مقدَّرة ؛ لم يكن كذلك عند الإنشاء، والضمير في ﴿أُكله﴾ : يعود على النخل، والزرعُ مقيس عليه، أو للجميع ؛ على تقدير : كل واحد منهما.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهو الذي أنشأ﴾ أي : خلق ﴿جنات﴾ ؛ بساتين مشتملة على كروم ـ أي : دوالي ـ ﴿معروشات﴾ أي : مرفوعة بالعرشان والدعائم، ﴿وغير معروشات﴾ أي : مبسوطة على وجه الأرض، قيل : المعروشات : ما غرسه الناس في العمران، وغير المعروشات : ما أنبته في الجبال والبراري.
﴿و﴾ أنشأ ﴿النخل والزرع مختلفًا أُكله﴾ أي : ثمره الذي يؤكل منه، واختلافه في اللون
٣١٦


الصفحة التالية
Icon