يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ لهم :﴿تعالَوا﴾ أي : هلموا، ﴿أتلُ﴾ أي : أقرأ ﴿ما حرم ربكم عليكم﴾، واجتمعت عليه الشرائع قبلكم، ولم يُنسخ قط في ملة من الملل، بل وصى به جميع الملل، و ﴿ألاَّ تُشركوا به شيئًا﴾ بل توحدوه وتعبدوه وحده، ﴿و﴾ أن تحسنوا ﴿بالوالدين إحسانًا﴾، ولا تُسيئوا إليهما ؛ لأن من أساء إليهما لم يحسن إليهما. ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق﴾ أي : من أجل الفقر الحاصل بكم، وكانت العرب تقتل أولادها خوفًا من الفقر فنزلت فيهم، فلا يفهم منه إباحة قتلهم لغيره، ﴿نحن نرزقكم وإياهم﴾، فلا تهتموا بأمرهم حتى تقتلوهم.
﴿ولا تقربوا الفواحش﴾ ؛ كبار الذنوب ﴿ما ظهر منها﴾ للناس ﴿وما بَطَنَ﴾ في خلوة، أو : ما ظهر منها على الجوارح، وما بطن في القلوب من العيوب، ﴿ولا تقتلوا
٣٢٤
النفس التي حرَّم الله إلا بالحق﴾ ؛ كالقود، وقتل المرتد، ورجم المحصن. قال ﷺ :" لا يحلُّ دَمُ امرىءٍ مُسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ : زِنَىً بعد إحصَانٍ، وكُفرٍ بعد إيمَانٍ، وقَتل نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ " ﴿ذلكم﴾ المتقدم، ﴿وصّاكم به لعلكم تعقلون﴾، فتتدبرون فيما ينفعكم وما يضركم.
﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي﴾ بالخصلة التي ﴿هي أحسن﴾ ؛ كحفظه وتثميره. والنهي عن القرب : يعم وجوه التصرف، وفيه سد الذريعة ؛ لأنه إذا نهى عن القرب كان الأكل أولى، ﴿حتى يبلغ أشده﴾ وهو البلوغ مع الرشد، بحيث يعرف مصالح نفسه ويأمن عليه التبذير، فيدفع له، ﴿وأوفوا الكيل والميزان بالقسط﴾ ؛ بالعدل والتوفية، ﴿لا نُكلِّف نفسًا إلا وسعها﴾ ؛ إلا ما يسعها ولا يعسر عليها، ولمَّا أمر بالقسط في الكيل والوزن، وقد علم أن القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما يجري فيه الحرج ـ أمر بالوسع في ذلك وعفا عما سواه.