يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ثم﴾ نخبرك أنا ﴿آتينا موسى الكتاب﴾ ؛ التوراة، ﴿تمامًا على الذي أحسن﴾ القيام به من بني إسرائيل، ويدل عليه قراءة :﴿أحسنوا﴾، أي : تمامًا للنعمة على العاملين به، أو تمامًا على موسى الذي أحسن القيام به، أي : آتيناه الكتاب تفضلاً وإتمامًا للنعمة ؛ جزاء على ما أحسن من طاعة ربه وتبليغ رسالته، ففاعل أحسن : ضمير موسى. أو :﴿تمامًا﴾ أي : إكمالاً على ما أحسن الله به إلى عباده، فالفاعل على هذا : ضمير الله تعالى، ﴿وتفصيلاً﴾ أي : تبيينًا ﴿لكل شيء﴾ يحتاجون إليه في الدين. ﴿وهدى﴾ أي : هداية للظواهر، ﴿ورحمة﴾ للقلوب، ﴿لعلهم﴾ أي : بني إسرائيل، ﴿بلقاء ربهم﴾ للجزاء، ﴿يُؤمنون﴾ إيمانًا صحيحًا، وهو اللقاء بالأجسام والأرواح، والنعيم أو العذاب للأشباح. الله تعالى أعلم.
الإشارة : كل من أحسن عبادة ربه في الظاهر، وحقق في الباطن، أتم الله عليه نعمته بشهود ذاته وأنوار صفاته، ووهب له علومًا لدنية تفصل له ما أشكل، يكون له هداية لزيادة الترقي، ورحمةً يتهيأ بها قلبه لوحي الإلهام والتلقي. وبالله التوفيق.
٣٢٦
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٦
قلت :﴿أن تقولوا﴾ : مفعول له، أي : كراهة أن تقولوا.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهذا﴾ القرآن ﴿كتاب أنزلناه مبارك﴾ كثير النفع ﴿فاتبعوه﴾ في الأصول والفروع، ﴿واتقوا﴾ الشرك والمعاصي، ﴿لعلكم تُرحمون﴾ ببركة أتباعه ؛ فتحيا به قلوبكم، وتنتعش به أرواحكم، وإنما أنزلناه ؛ كراهة ﴿أن تقولوا يوم القيامة﴾ في الحجة :﴿إنما أُنزل الكتابُ على طائفتين من قبلنا﴾ ؛ اليهود والنصارى، وإنما خصهما بالذكر لشهرتهما دون الكتب السماوية، ﴿وإن كنا﴾ وإنه، أي : الأمر والشأن، كنا ﴿عن دراستهم﴾ أي : قراءتهم ﴿لغافلين﴾ أي : كنا غافلين عن قراءة أهل الكتاب، لا ندري ما هي ولا نعرف مثلها، أو لم ندرس مثل دراستهم، ولم نعرف ما درسوا من الكتب، فلا حجة علينا، فقد قامت الحجة عليكم بنزول القرآن.