الإشارة : قد أخذ الصوفية من هذا الدين القيم، الذي هدى الله إليه نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ خلاصته ولبابه، فأخذوا من عقائد التوحيد : الشهود والعيان على طريق الذوق والوجدان ؛ ولم يقنعوا بالدليل والبرهان، وأخذوا من الصلاة : صلاة القلوب، فهم على صلاتهم دائمون من صلاة الجوارح، على نعت قوله :﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون : ٢]، وأخذوا من الزكاة : زكاة نفوسهم بالرياضة والتأديب وإضافة الكل إليه. ( العبد وما كسب لسيده)، مع أداء الزكاة الشرعية لمن وجبت عليه. وكان الشيخ أبو العباس السبتي رضي الله عنه يعطي تسعة أعشار زرعه، ويمسك العشر لنفسه.
وأخذوا من الصيام : صيام الجوارح كلها، مع صيام القلب عن شهود السِّوى. وأخذوا من الحج : حج القلوب إلى حضرة علام الغيوب، فالكعبة تشتاق إليهم وتطوف بهم، كما تقدم في آل عمران، ومن الجهاد : الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفوس، وهكذا مراسم الشريعة كلها عندهم صافية خالصة من الشوائب، بخلاف غيرهم، فلم يأخذ منها إلا قشرها الظاهر وعمل الأشباح، فهي صُور قائمة لا روح فيها ؛ لعدم الإخلاص والحضور فيها. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٠
قلت :(ربًّا) : حال من (غير).
٣٣١
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ لهم يا محمد :﴿إن صلاتي ونسكي﴾ أي : عبادتي كلها، وقرباتي أو حجي، ﴿ومحياي ومماتي﴾ أي : وعملي في حياتي، وعند موتي من الإيمان والطاعة، أو الحياة والممات أنفسهما، ﴿لله رب العالمين لا شريك له﴾ أي : هي خالصة لله لا أشرك فيها غيره، ﴿وبذلك﴾ أي : بذلك القول والإخلاص، أمرني ربي، ﴿وأنا أول المسلمين﴾ ؛ لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته.