الإشارة : فمن لم يستطع أن ينكح أبكار الحقائق، لكونه لم يقدر أن يدفع عن قلبه الشواغل والعلائق، فليتنزل لنكاح العلوم الرسمية والأعمال الحسية، بأخذها من أربابها، ويحصنها بالإخلاص في أخذها، ويقوم بحقها بقدر الإمكان، وهو بذلها لأهلها والصبر على نشرها، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فإن صح قصده، وخلص عمله، قيض الله له وليًا من أوليائه يغنيه بالله، حتى يصير من الأغنياء به، فيتأهل لنكاح الحرائر، ويلتحق بأولياء الله الأكابر، ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم : ٢٠].
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لما تكلم على ثمرات المحبة ـ قال : فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل متحصنًا بمعرفته، والروح مأخوذة في حضرته، والسر مغمورًا في مشاهدته، والعبد يستزيد من حبه فيُزاد ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيكسى حُلل التقريب على بساط القُربة، ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم. هـ. فعلم الحقائق أبكار، وما يوصل إليه من علوم الطريقة ثيبات حرائر، وما سواها من علوم الرسوم إماء بالنسبة إلى غيرها، والله تعالى أعلم.
٣٢
ثم ذكر حدَّ الأمَةِ إذا زنت، فقالت :
﴿... فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ...﴾
قلت : أحصن الرجل ـ بفتح الهمزة وضمها ـ : صار محصنًا بالفتح والكسر، وهذا مما اتحد فيه البناء للفاعل والمفعول. وقيل بالفتح، معناه : أسلم، وبالضم : تزوج.
يقول الحقّ جلّ جلاله : إن الإماء إذا تزوجن ﴿فإن أتين بفاحشة﴾، وهو الزنا، فعليهن نصف ما على الحرة من الحد، وهو خمسون، لأن حد البكر مائة. ويفهم منه أنها لا ترجم ؛ لأن الرجم لا يتبعض. وكذلك الذكور من العبيد عليهم نصف الحدود كلها، ولا رجم عليهم، وسمَى الحد عذابًا، كقوله :﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النور : ٢].


الصفحة التالية
Icon