﴿وقال﴾ لهما :﴿ما نهاكما ربُّكما عن هذه الشجرة إلا﴾ كراهية ﴿أن تكونا مَلَكين﴾. واستدل به من قال بفضل الملائكة على الأنبياء، وجوابه : أنه كان من المعلوم عندهما أن الحقائق لا تَنقَلبن وإنما كانت رغبتهما فيما يحصل لهما من الغنى عن لطعام والشراب، فيمكن لهما الخلود في الجنة، ولذلك قال :﴿أو تكونا من الخالدين﴾ الذين يخلدون في الجنة.
ويؤخذ من قوله تعالى :﴿ما نهاكما ربكما﴾، أن آدم عليه السلام لم يكن ناسيًا للنهي، وإلا لما ذكره بقوله :﴿ما نهاكما ربكما﴾، وقوله في سورة طه :﴿فنسي﴾، أي : نسي أنه عدو له، ولذلك ركن إلى نصيحته، وقبل منه حتى تأول أن النهي عن عين الشجرة لا عن جنسهان فأكل من جنسها ؛ رغبة في الخلود، ولكنه غره من حيث الأخذ بالظواهر وترك الاحتياط.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٢
ولم يقصد إبليسُ إخراجهما من الجنة، وإنما قصد أسقاطهما من مرتبتهما، وإبعادهما كما بعُد هو، فلم يلبغ قصده ولا أدرك مراده، بل ازداد سخينة عين، وغيط نفس، وخيبة ظن. قال الله تعالى :﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه : ١٢٢]، فصار عليه السلام خليفة لله في أرضه، بعد أن كان جارًا له في داره، فكم بين الخليفة والجار ؟
٣٤٣
﴿وقاسَمَهُما﴾ أي : خلف لهما ﴿إني لكما لمنَ الناصحين﴾ فما قلت لكما. وذكر قَسَم إبليس بصيغة المفاعلة التي تكون بين اثنين مبالغة ؛ لأنه اجتهد فيه، أو لأنه أقسم لهما، وأقسما له أن يقبلا نصيحته.