يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ونادى أصحابُ الجنةِ أصحاب النار أن قد وجَدَنا ما وعدنا ربُّنا﴾ من النعيم ﴿حقًا فهل وجدتم﴾ أنتم ﴿ما وَعَدَ ربُّكم﴾ من البعث والحساب ﴿حقًا﴾، إنما قال أهل الجنة ذلك ؛ تبجحًا بحالهم، وشماتة بأصحاب النار، وتحسيرًا لهم، فأجابهم أهل النار بقولهم :﴿نعم﴾، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، ﴿فأذن مؤذن بينهم﴾ بين الفريقين :﴿أن لعنةُ الله على الظالمين﴾ ؛ الكافرين، ﴿الذين يصدُّون﴾ الناس ﴿عن سبيل الله﴾ وهي الإسلام، ﴿ويبغونها﴾ أي : يطلبون بها ﴿عِوجًا﴾، زيغًا وميلاً عما هو عليه من الاستقامة، أو يطلبونها أن تكون ذات عوج، ﴿وهم بالآخرة كافرون﴾ أي : جاحدون.
﴿وبينهما﴾ أي : بين الفريقين ﴿حجابٌ﴾، أو بين الجنة والنار حجاب، يمنع دخول أثر أحدهما للأخرى، ﴿وعلى الأعراف﴾ ؛ وهو السور المضروب بين الجنة والنار، ﴿رجالٌ﴾ ؛ طائفة من الموحدين استوت حسناتهم وسيئاتهم، كما في الحديث. وقال في الإحياء : يشبه أن يكونوا من لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد، فلم تكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية، فلا وسيلة تقربهم، ولا جناية تبعدهم، ولهم السلامة فقط، لا تقريب ولا تبعيد. هـ.
٣٥٥
قلت : لكن سيأتي أنهم يدخلون الجنة.
ثم وصفهم بقوله :﴿يعرفون كُلاًّ﴾ من أهل الجنة والنار، ﴿بسيماهم﴾ : بعلامتهم التي أعلمهم الله بها ؛ كبياض الوجوه من أهل الجنة، وسوادها في أهل النار، أو غير ذلك من العلامات. ﴿ونادوا أصحابَ الجنة﴾، إذا نظروا إليهم، فقالوا لهم :﴿أن سلامٌ عليكم﴾، أي : نادوهم بالسلام عليهم، ﴿لم يدخلوها﴾ أي : الجنة، ﴿وهم يطمعون﴾ في دخولها.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٥
وإذا صُرِفت أبصارُهم تلقاءَ أصحابِ النار﴾
أي : التفتوا إليهم على وجه القلة، تعوذوا من حالهم، ﴿قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين﴾ في النار.


الصفحة التالية
Icon