يقول الحقٌ جلّ جلاله :﴿ونادى أصحابُ الأعراف رجالاً﴾ من رؤساء الكفرة، ﴿يعرفونهم بسيماهم﴾ ؛ بعلامة فيهم من سوء حالهم، ﴿قالوا﴾ لهم :﴿ما أغنى عنكم جمعكم﴾ أي : كثرتكم، أو جمعكم للمال، شيئًا أو أيّ شيء أغنى عنكم جمعكم، ﴿وما كنتم تستكبرون﴾ ؟ أي : واستكباركم ؟ ﴿أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالُهم اللهُ برحمةٍ﴾ وهم ضعفاء المسلمين الذين كانت الكفرة تستحقرهم في الدنيا، ويحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة، قد قيل لهم :﴿ادخلوا الجنة لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون﴾. أو تقول الملائكة لأهل الأعراف :﴿ادخلوا الجنة لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون﴾، بعد أن حُبسوا على الأعراف حتى أبصروا الفريقين وعرفوهم، وقالوا لهم ما قالوا، تفضل الله عليهم، فقيل لهم : ادخلوا الجنة.
وقيل : لما عيَّر أصحابُ الأعراف أهل النار، أقسموا ـ أي : أهل النار ـ أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة، فقال لهم الله تعالى :﴿أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم برحمة ادخلوا﴾ يا أهل الأعراف ﴿الجنة﴾. والله تعالى أعلم.
الإشارة : أصحاب الأعراف : قوم من الصالحين حصل لهم محبة القوم، ليسوا من عوام أهل اليمين ولا من خواص المقربين، فإذا نظروا إلى أهل الطعن على الفقراء المتوجهين، والترفع عليهم، قالوا لهم : ما أغنى عنكم جمعكم واستكباركم، أهؤلاء الذين كنتم تطعنون عليهم، وأقسمتم أنهم ليسوا على شيء ؟ قد قيل لهم : ادخلوا جنة المعارف لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، وأنتم حصل لكم الخيبة، والحرمان، والأسر في أيدي النفوس، والحصر في سجن الأكوان. عائذًا بالله من ذلك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٦
٣٥٧
قلت :﴿هدى ورحمة﴾ : حال من مفعول ﴿فصَّلناه﴾، ﴿فيشفعوا﴾ : جواب الاستفهام، ﴿أو نُرد﴾ ؛ بالنصب : عطف عليه، وبالرفع : استئناف، فعلى الأول : المسؤول أحد الأمرين ؛ إما الشفاعة أو الرد، وعلى الثاني : المسؤول الشفاعة فقط.


الصفحة التالية
Icon