جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٩
قلت :(نُشُرًا) : حال من الرياح، وهو جمع نشور، بمعنى ناشر، ومن قرأ بسكون الشين، فهو تخفيف منه، ومن قرأ بفتح النون، فمصدر في موضع الحال، بمعنى : ناشرات، أو مفعول مطلق ؛ فإن الإرسال والنشر متقاربان، ومن قرأه بالباء وسكون الشين فهو جمع بشير، مخفف، و(أقَلَّت) : مشتق من القلة ؛ لأن الحامل للشيء يستقله، و(ثقالاً) : جمع ؛ لأن السحاب جمع بمعنى السحائب.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهو الذي يرسل الرياح﴾ أو الريح (نُشْرًا) أي : تنشر السحاب، وتفرقه إلى الأرض التي أراد الله أن تمطر، أو بشارة بالمطر، ﴿بين يدي رحمته﴾ أي : قبل نزول المطر، فهي قدامَه ؛ فإن الصبا تثير السحاب، والشمال تجمعه، والجنوب تذره، والدبور تُفرقه. قاله البيضاوي.
﴿حتى إذا أقلَّت﴾ أي : حملت ﴿سحابًا ثِقالاً﴾ بالماء ؛ لأنها تحمل الماء فتثقل به، ﴿سُقناه﴾ أي : السحاب بما اشتمل عليه من الماء، ﴿لبلدٍ ميِّتٍ﴾ أي : لإحيائه أو لسَقيه بعد يبسه، كأنه ميت، ﴿فأنزلنا به﴾ أي : بالبلد، أو بالسحاب، أو بالسوق، أو بالريح، ﴿الماء﴾ الذي في السحاب، ﴿فأخرجنا به﴾ أي : الماء، ﴿من كل الثمرات﴾ من كل أنواعها وأصنافها، ﴿كذلك نُخرج الموتى﴾ من القبور، أي : كما نُحيي البلد بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات ﴿كذلك نُخرج الموتى﴾ من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقُوى الحسية. قاله البيضاوي.
وقال ابن جزي : هو تمثيل لإخراج الموتى من القبور بإخراج الزرع من الأرض، وقد وقع ذلك في القرآن في مواضع منها :﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ [فَاطِر : ٩]، و ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [قَ : ١١]. هـ. ﴿لعلكم تذكَّرون﴾ ؛ فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على إحياء الموتى، إذ لا فرق.


الصفحة التالية
Icon