قال تعالى :﴿فأنجيناه والذين معه برحمة منا﴾ عليهم. قال القشيري : لا رتبةَ فوق رتبة النبوة، ولا درجة أعلى من درجة الرسالة، وقد أخبر سبحانه : أنه نجَّى هودًا برحمته، وكذا نجَّى الذين آمنوا معه برحمته، ليُعلَم أن النجاة لا تكون باستحقاق العمل، وإنما تكون ابتداء فضلٍ من الله ورحمة، فما نَجَا مَن نَجَا إلا بفضل الله سبحانه وتعالى. هـ.
﴿وقطعنا دابر الذين كذَّبوا بآياتنا﴾ أي : استأصلناهم، ﴿وما كانوا مؤمنين﴾، تعريض بمن آمن منهم، وتنبيه على أن الفارق بين من نَجَا وبين من هلك : هو الإيمان.
٣٦٧
رُوِي أنهم كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هودًا فكذبوه، وزادوا عتوا، فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم، وكان الناس حينئذٍ، مسلمهم ومشركهم، إذا نزل بهم بلاء توجهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه " قيل بن عنز "، ومرثد بن سعد، في سبعين من أعيانهم، وكان إذ ذاك بمكة العمالقة ؛ أولاد عمليق بن لاود بن سام، وسيدهم : معاوية بن بكر، فلما قدموا عليه، وهو بظاهر مكة، أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنى عليهم الجرادتان ـ قَينَتَانِ له ـ فلما رأى ذهولهم عما بعثوا له أهمه ذلك، واستحيا أن يكلمهم فيه ؛ مخافة أن يظنوا به ثقل مقامهم، فعلم المغنيتين بيتين من الشعر، وأمرهما أن تغنيا به وهما :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦٦
ألاَ قَيلُ ويَحكَ، قُم، فَهَينِم
لَعلَّ الله يسقِينَا الغَمَامَا
فيسقيِ أرضَ عَادٍ، إنَّ عَادًا
قَدَ امسَوا لاَ يُبِينُونَ الكَلامَا


الصفحة التالية
Icon