﴿وما وجدنا لأكثرهم﴾ أي : لأكثر أهل القرى ﴿من عهدٍ﴾، بل جُلُّهم نقصوا ما عَهدناهم عليه من الإيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج، ﴿وإن وجدنا أكثرَهم﴾ أي : علمناهم ﴿لفاسقين﴾، و " إن " مخففة، واللام : فارقة.
٣٧٨
الإشارة : ينبغي لمن فتح الله بصيرته أن ينظر بعين الاعتبار فيمن سلف قبله، كيف تركوا الدنيا ورحلوا عنها، ولم يأخذوا منها إلا ما قدموا أمامهم ؟ قَدِموا على ما قدَّموا، وندموا على ما خلفوا، ولم ينفعهم الندم وقد زلت بهم القدم، فالدهر خطيب يُسمع القاصي والقريب، وهو ينادي بلسان فصيح، عادلاً عن الكتابة إلى التصريح، قائلاً : أمَا حَصلَ لكم الإنذار ؟ أما كفاكم ما تشاهدون في الاعتبار ؟ أين من سلف قبلكم ؟. أوَ ما كانوا أشد منكم أو مثلكم ؟ قد نما ذكرهم وعلا قدرهم، وخسف بعد الكمال بدرهم، فكأنهم ما كانوا، وعن قريب مضوا وبانوا، أفضوا إلى ما قدموا، وانقادوا قهرًا إلى القضاء وسلموا، فيا أيها الغافلون، أنتم بمن مضى لاحقون، ويا أيها الباقون ؛ أنتم إليهم تساقون، قَضاءٌ مبرم، وحُكمٌ ملزم، ليس عند محيد لأحد من العبيد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ثم بعثنا﴾ من بعد الرسل المتقدمين ﴿موسى﴾ بن عمران ﴿بآياتنا﴾ : بمعجزاتنا الدالة على صدقه، ﴿إلى فرعون ومَلَئِهِ فظلموا بها﴾ أي : طغوا بسببها، وزادوا عتوًا على عتوهم، ﴿فانظر كيف كان عاقبة المفسدين﴾ كيف غرقوا عن آخرهم، وأكلهم البحر.


الصفحة التالية
Icon