﴿قالوا﴾ أي : بنوا إسرائيل :﴿أُوذينا من قبل أن تأتينا﴾ بقتل الأبناء، ﴿ومن بعد ما جئتنا﴾ بإعادته، فلم يرتفع عنا الذل بمجيئك، ﴿قال عسى ربُّكم أن يُهلك عدوكم ويستخلِفَكم في الأرض﴾، تصريحًا بما كِنّى عنه أولاً، لما رأى أنهم لم يتسلوا بذلك، ولعله أتى بحرف الطمع، أي : الترجي ؛ لعدم جزمه بأنهم المستخلَفون بأعيانهم، أو أولادهم، وقد رُوِي أن مصر إنما فتح لهم في زمن داود عليه السلام، قاله البيضاوي. ﴿فينظرَ كيف تعملون﴾ أي : فإذا استخلفكم يرى ما تعملون من شكر أو كفران، أو طاعة أو عصيان، فيجازيكم على حسب ما يُوجد منكم من كفر أو إحسان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٣
الإشارة : ما وقع للأنبياء مع قومهم وقع مثله لأشياخ هذه الأمة وفقرائها مع أهل زمانهم، ولما كثرت الأحوال من الفقر أو خرق العوائد، وظهروا بتخريب ظواهرهم، وقعت بهم الشكاية إلى السلطان، وقالوا له : هؤلاء يخربون ملكك، فآل على نفسه إنَّ مكنه الله منهم لا يترك منهم أحدًا، فكفى الله بأسه، فاستعانوا بالله وصبروا، واشتغلوا بذكر الله، وغابوا عمن سواه، فكانت العاقبة للمتقين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٣
قلت : عبَّر في جانب الحسنة بإذاء المفيدة للتحقيق، وعرَّف الحسنة ؛ لكثرة وقوعها، وعبَّر في جانب السيئة بإن المفيدة للشك، ونكّر السيئة لنُدورها.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولقد أخذنا آلَ فرعوَن بالسنين﴾ أي : بالجدب والقحط لقلة الأمطار والمياه، ﴿ونقصٍ من الثمرات﴾ بكثرة العاهات، ﴿لعلهم يذّكَّرون﴾ أي :
٣٨٤
لكي ينتبهوا أن ذلك من شؤم كفرهم ومعاصيهم، ويتعظوا، وترق قلوبهم بالشدائد، فيفزعوا إلى الله، ويرغبوا فيما عنده.