وهو تعريض بالزمخشري وردُّ عليه، فإنه أطلق لسانه في أهل السنة ـ عفا الله عنه ـ. والتحقيق : أن رؤيته تعالى برداء الكبرياء ـ وهي أنوار الصفات ـ جائرة واقعة ـ، وأما رؤية أسرار الذات ـ وهي المعاني الأزلية، التي هي كنه الربوبية ـ فغير جائزة ؛ إذ لو ظهرت تلك الأسرار لتلاشت الأكوان واضمحلت، ولعل هذا المعنى هو الذي طلب سيدنا موسى عليه السلام، فلذلك قال له :﴿لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه﴾ عند تجلي هذه الأسرار له، ﴿فسوف تراني فلما تجلى ربُّه للجبل﴾ أي : أظهر له شيئًا من أنوار الربوبية التي هي أسرار المعاني الأزلية، ﴿جعله دكًا﴾ أي : مدكوكًا مفتتًا، والدك والدق واحد، وقرأ حمزة :" دكاء " بالمد، أي : أرضًا مستوية، ومنه : ناقة دكاء لا سنم لها. ﴿وخرَّ موسى صَعِقًا﴾ مغشيًا عليه من هول ما رأى، ﴿فلما أفاق قال﴾ تعظيمًا لما رأى :﴿سبحانك تُبت إليك﴾ من الجرأة والإقدام على السؤال بغير إذن، وقال بعضهم : تُبتُ إليك من عدم الاكتفاء بقوله :﴿لن تراني﴾ حتى نظر إلى الجبل، ﴿وأنا أولُ المؤمنين﴾ أنك لا تُرى بلا واسطة نور الصفات، أو أول أهل زماني إيمانًا. الإشارة : رؤية الحق جائزة واقعة عند الصوفية في الدارين، ولكن لا ينالها في هذه الدار إلا خواص الخواص، ويُعبّرون عنها بالشهود والعيان، ولا يكون ذلك إلا بعد الفناء، وفناء الفناء بعد موت النفس وقتلها، ثم الغيبة عن حسها ورسمها، تكون بعد التهذيب والتدريب والتربية على يد شيخ كامل، لا يزال يسير به ويقطع به في المقامات، ويغيبه عن نفسه ورؤية وجوده، حتى يقول له : ها أنت وربك، وذلك أن الحق جل
٣٩١


الصفحة التالية
Icon