قلت : فتكون على هذا الرحمة التي وسعت كل شيء رحمة عامة، إذ لا يخلو مخلوق من رحمته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالخلق كلهم مرحومون إيجادًا وإمدادًا، وأما في الآخرة فما من عذاب إلا والله أشد منه في قدرته، والرحمة التي كتبت للمتقين رحمة خاصة، ويدل على هذا ما في القوت على قوله :﴿فسأكتبها للذين يتقون﴾، قال : معناه خصوص الرحمة وصفوها لا كلها، إذ لا نهاية للرحمة، لأنها صفة الراحم الذي لا حد له، ولأنه لم يخرج من رحمته شيء، كما لم يخرج من حكمته وقدرته شيء. هـ.
وقال السيوطي : فسأكتبها في الآخرة، ووجه تخصيصها في الآخرة بالمؤمنين : تمحضها هنالك من غير شوب بضد، ولا كذلك في الدنيا، وإن كانت غالبة، والكافر عمته في الدنيا عمومًا ظاهرًا، وسلب منها في الآخرة بحسب الظاهر، وإن لم يخل عنها في الجملة، لأن عضبه تعالى لا حدّ له لولا رحمته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
وحاصله : أنه لم تفي جهنم بغضبه، لأنه لا يفي المتناهي بغير المتناهي ورحمته عمت الكافر في الدنيا لإمهاله وبسط نعمه عليه، وفي الإمهال فسحة في الحال وأمل الإقلاع في المآل، وقد يتفق كثيرًا، أي : الإقلاع، فلا يتعين أن يكون الإمهال استدراجًا، على أنه إنما يتجلى تجليًا أوليًا ذاتيًا برحمة مطلقة من غير تفصيل، إذ لا تعدد في الذات، وإنما يظهر التفصيل بالصفات، وإن كان يسري إليها من الذات، ولكن الرحمة تظهر أولاً من الذات، مع قطع النظر عن الصفات ؛ لظهورها، ولا تظهر النقمة إلا من الصفات، وهي خفية في تجلي الذات المطلق، ولذلك قال :﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾، وعلق العذاب على المشيئة، فخص به دونها. هـ. من الحاشية مع زيادة بيان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
٤٠٤


الصفحة التالية
Icon