وعند ذلك تموت شهواته وتذهب دواعي نفسه، فلا تأمره بسوء، ولا تطالبه بارتكاب منهي، ولا تكون لهم همة إلا المسارعة إلى الخيرات، والمبادرة لاغتنام الساعات والأوقات، وذلك لاستشعاره حلول الأجل، وفوات صالح العمل، وإلى هذا الإشارة بحديثي حارثة ومعاذ ـ رضي الله عنهما ـ. رَوى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينما رسول الله ﷺ يمشي إذ استقبله شابٌ من الأنصار، فقال له النبي ﷺ :" كَيْفَ أصبحَتَ يا حارثةٌ ؟ " قال : أصبحت مؤمنًا بالله حقًا، قال :" انظر ما تقول، فإن لكلِّ قَولٍ حقيقة ؟ " فقال : يا رسولَ الله عَزَفت نَفسِي عن الدنيا فأسهَرْتُ لَيلي وأظمَأتُ نهاري، وكأني بعَرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهلِ الجنّةِ يَتَزَاوَرُون فيها، وكأني أنظرُ إلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال :" أبصَرتَ فالزَم، عَبدٌ نور اللهُ الإيمانَ في قلبه.. " إلى آخر الحديث.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢٣
وروى أنس رضي الله عنه أيضًا : أن معاذَ بن جبل دخل على النبي ﷺ وهو يبكي، فقال له :" كيف أصبحتَ يا معاذ ؟ " فقال : أصبحتُ بالله مؤمنًا، قال النبي ﷺ :" إنَّ لكل قول مصداقًا، ولكل حق حقيقة، فما مصداق ما تقول ؟ " فقال : يا نبيَّ اللهِ، ما أصبحتُ صباحًا قط إلا ظننتُ أني لا أُمسي، ولا أمسَيتُ قط إلا ظننت إني لا أُصبِح، ولا خَطَوتُ خطوةً قط إلا ظننتُ أني لا أُتبِعُها أُخرَى، وكأني أنظرُ إلى كل أمةٍ جاثية تُدعى إلى كتابها، معها نبيُها وأوثَانُها التي كانت تعبدُ من دون اللهِ، وكأني أنظرُ إلى عُقُوبَةِ أهلِ النَّارِ وثوابِ أهلِ الجنة. قال رسول الله ﷺ :" عَرَفَت فالزَم " انظر بقية كلامه رضي الله عنه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢٣


الصفحة التالية
Icon