الإشارة : لا بد أن يحصل الندم لمن فاته صحبة أهل الخصوصية، حتى مات محجوبًا عن مشاهدة أسرار الربوبية، لا سيما إذا انضم إليهم كفرهم بخصوصيتهم والإنكار عليهم، وذلك حين يكشف له عن مقامهم البهي وحالهم السني، مصاحبين للمقربين في جوار الأنبياء والمرسلين، وهو في مقام أهل اليمين، ثم يعاقب على ما أسر عليه من الكبائر، وهي معاصي القلوب والضمائر، وهذا إذا مات على الإسلام، وإلا فالإنكار على الأولياء شُؤمُه سوء الخاتمة. والعياذ بالله من ذلك. وقد تقدم أن العارفين بالله يشهدون على العلماء، والعلماء يشهدون على العموم، ونبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ يزكي من يحتاج إلى التزكية. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧
٤٨
قلت : جملة ﴿وأنتم سكارى﴾ : حال، وسكارى : جمع سكران، ويجمع على سُكارى بالفتح وسكْرى بالسكون، و ﴿لا جُنُبًا﴾ عطف على جملة الحال، و ﴿جُنب﴾ يستوي فيه الواحد والاثنان والجماعة والمذكر والمؤنث، لأنه يجري مجرى المصدر فلا يُثنى ولا يُجمع. و ﴿إلا عابري﴾ مستثنى من عام الأحوال، وأصل الغائط : الموضع المنخفض من الأرض، ثم أطلق على الواقع فيه مما يخرج من الإنسان.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى﴾ : لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من خمر، أو غلبة نوم، أو شدة غفلة، ﴿حتى تعلموا ما تقولون﴾ في صلاتكم، وتتدبروا ما تقرأون فيها، فالصلاة من غير حضور خاوية، وعند الخصوص باطلة، رُوِي أن عبد الرحمن بن عَوف صنَع مأدبة، ودَعَا إليها نفرًا من الصحابة، حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا وشربوا حتى ثَمِلُوا، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدم أحدهم ليصلي بهم، فقرأ : أعبد ما تعبدون ـ من غير نفي ـ فنزلت الآية قبل تحريم الخمر، ثم حرمت بآية المائدة.


الصفحة التالية
Icon