﴿بل الله يُزكي من يشاء﴾ لأنه العالم بخفيات النفوس وكمائنها، وما انطوت عليه من قبيح أو حسن، فيزكي من يستحق التزكية، ويفضح المُدَّعِين، ﴿ولا يُظلمون فتيلاً﴾، وهو الخيط الذي في شق النواة، يضرب مثلاً لحقارة الشيء، فأن الله لا يظلم مثقال ذرة، ﴿انظر كيف يفترون على الله الكذب﴾ في زعمهم أنهم أبناء الله، أو أنهم مغفور لهم، ﴿وكفى به﴾ أي : بالافتراء، ﴿إثماً مبينًا﴾ أي : ظاهرًا لا يخفى على أحد.
الإشارة : قال بعض الصوفية : للنفس من النقائص ما لله من الكمالات، فلا ينبغي للعبد أن يُزكي نفسه، ولو بلغ فيها من التطهير ما بلغ، ولا يرضى عنها ولو عملت من الأعمال ما عملت. قال أبو سليمان الداراني : لي أربعون سنة وأنا مُتَّهٍمٌ لنفسي. وفي الحِكَم " أصل كل معصيةٍ وغفلةٍ وشهوةٍ : الرضا عن النفس، وأصلُ كل طاعةٍ ويقظةٍ وعفةٍ : عدمُ الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خيرٌ من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه، فأيُّ علمٍ لعالمٍ يرضى عن نفسه ؟ ! وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟ ! ".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٣
٥٤
قلت : الجبت في الأصل : اسم صنم، فاستعمل في كل ما عُبد من دون الله، ﴿والطاغوت﴾ : كل باطل من معبود أو غيره، أو الجبت : السحر، ﴿والطاغوت﴾ : الساحر، وبالجملة : هو كل ما عُبد أو أطيع من دون الله، وقال الجوهري : الجبت : اسم لكل صنم ولكل عاصٍ ولكل ساحر وكل مُضِلّ، ﴿والطاغوت﴾ : الشيطان، وأصله : طغيوت، فعلوت، من الطغيان، ثم قلب فصار طيَغوت، ثم قلبت الياء ألفًا.