﴿فإن خفتم ألا تعدلوا﴾ بين الاثنتين أو الثلاث أو الأربع، فاقتصروا على واحدة، أو على ما ملكت أيمانكم من قليل أو كثير ؛ إذ لا يجب العدل بينهن، ﴿ذلك﴾ الاقتصار على الواحدة ﴿أدنى﴾ أي : أقرب ﴿ألا تعولوا﴾ أي : تجوروا أو تميلوا، أو ألا تجاوزوا ما فرض عليكم من العدل، أو أدنى ألا يكثر عيالكم فتفتقروا، وهي لغة حِمْيَر. والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أن الحق تعالى جعل أولياءه أصنافاً عديدة ؛ فمنهم من غلب عليه فيض العلوم، ومنهم من غلب عليه هجوم الأحوال، ومنهم من غلب عليه تحقيق المقامات، قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كان الجنيد رضي الله عنه قطبًا في العلوم، وكان أبو يزيد رضي الله عنه قطبًا في الأحوال، وكان سهل بن عبد الله قطبًا في المقامات. هـ. أي : كل واحد غلب واحد من ذلك، مع مشاركته للآخر في الباقي، فينبغي لكل واحد أن يخوض في فنِّه الذي خصَّه الله به ولا يتصدى لغيره. فقال لهم الحق ـ جل جلاله ـ من طريق الإشاره : فإن خفتم يا مَنْ غلبت عليهم الأحوال أو المقامات، أَلاَّ تُقسطوا في يتامى العلوم التي اختص بها غيركم، فانكحوا ما طاب لكم من ثيبات الأحوال وأبكار الحقائق، كثيرة أو قليلة، فإن خفتم أن تغلبكم الأحوال، أو التنزل في المقامات، ولا تعدلوا فيها، فالزموا حالة واحدة ومقامًا واحدًا، وهو المقام الذي ملكه وتحقق به، فإن أقرب ألا ينحرف عن الاعتدال ؛ لأن كثرة الأحوال تضر بالمريد كما هو مقرر في فنه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦


الصفحة التالية
Icon