ثم ذكر مقابل هؤلاء فقال :﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا لهم فيها أزواج مطهرة﴾ مما يستقذر ﴿وندخلهم ظلاً ظليلاً﴾ أي دائمًا لا تنسخه شمس، ولا يصحبه برد، قدَّم وعيد الكفار على وعد المؤمنين، لأن الكلام فيهم، وذكر المؤمنين بالعرض. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الحسد خلق مذموم، لا يتطهر منه إلا الصديقون، وكل من بقي فيه بقية من الحسد لا يشم رائحة المعرفة، إذ لو عرف الله لم يجد من يحسد، وقد قيل : الحسود لا يسود. وفي الحديث عنه ﷺ أن قال :" الحَسدُ يأكُلُ الحسنَاتِ كما تأكلُ النَّارُ الحَطَبَ " وقال سفيان :( بلغني أن الله تبارك وتعالى يقول : الحاسدُ عدو نعمتي، غيرُ راضٍ بقسمتي التي قسمت بين عبادي). وأنشدوا :
ألاَ قُل لمَن كانَ لي حَاسِدًا
أتدري على مَن أسَأتَ الأدَب
أسَأتَ على اللهِ في فِعلِه
إذا أنتَ لم تَرضَ لي مَا وَهَب
جَزَاؤُكَ منه الزيادةُ لي
وألاَّ تَنَالَ الذِي تَطَّلِب
وقال آخر :
إن تحسُدُوني فإني غيرُ لائمكم
قَبَلى من الناسِ أهل الفضلِ قّد حُسِدُوا
فَدَامَ لي وَلَهُم ما كَانَ بي وبهم
وماتَ أكثَرُنا غيظًا بما يَجِدُ
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٦
ثم إن الحسود لا تزول عداواته، ولا تنفع مداواته، وهو ظالم يشتكي كأنه مظلوم. ولقد صدق القائل :
كلُ العَدَاوةِ قد تُرجىَ إزالتُها
إلا عداوة مَن عَادَاكَ مِن حَسَدٍ
وقال حكيم الشعراء :
وأظلمُ خَلقِ اللهِ مَن بَاتَ حَاسِدًا
لِمَن بَاتَ في نَعمَائِه يَتَقَلَّبُ
وقال آخر :
أني لأرحمُ حاسِدِيَّ لفرطِ ما
ضَمَّت صُدُوُرُهُم مِن الأوغَارِ
نَظَرُوا صنيعَ اللهِ في فَعُيُونهُم
في جَنَّةٍ وقَلوبُهُم في نارِ


الصفحة التالية
Icon