الإشارة : إنما تأخير التوبة واليقظة، وترك السير إلى مقام التصفية والترقية، زيادة في البعد والقسوة، يضل به الذين هجروا طريق التربية والتصفية، عن مقام أهل الإحسان والمعرفة، فتارةً يُحلون المقام مع النفس الأمارة، ويقولون : قد انقطعت التربية، وعُدِمَ الطبيبُ الذي يداويها ويخرجها عن وصفها، وتارة يُحرمون المقام معها والاشتغال بحظوظها وهواها، ويقولون : البركة لا تنقطع، والمدد لا ينعدم، ليوافقوا بين الأمر بمجاهدتها في قوله :﴿والذين جاهدوا فينا﴾، وبين من قال : قد انقطعت التربية، زُين له سواء أعمالهم، والله لا يهدي القوم الكافرين إلى السير والوصول إلى ربهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٥
قلت :(اثاقلتم)، أصله : تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء، وجلبت الهمزة للساكن، وقرئ على الأصل، وضمن الإخلاد، فَعُدِّيَ بإلى.
يقول الحق جل جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله﴾ ؛ للجهاد مع رسول الله ﷺ، ﴿اثَّاقلتُم﴾ أي : تباطأتم وأخلدتم ﴿إلى الأرض﴾ كسلاً وفشلاً، وكان ذلك في غزوة تبوك، أُمروا بها بعد رجوعهم من الطائف، في وقت عسر، وحَر، وبُعد الشقة، وكثرة العدو، فشق عليهم ذلك، ﴿أرضيتُم بالحياة الدنيا﴾ وكدرها، ﴿من الآخرة﴾، بدل الآخرة ونعيمها، ﴿فما متاع الحياة الدنيا﴾ أي : التمتع بها في جانب الآخرة، ﴿إلا قليلٌ﴾ ؛ مستحقر، لسرعة فنائه ومزجه بالكدر.


الصفحة التالية
Icon