لقد ابْتَغَوُا الفتنة} أي : تشتيت أمرك وتفْريق أصحابك ﴿من قبلُ﴾ أي : من قبل هذا الوقت، كرجوعهم عنك يوم أُحد، ليوقعوا الفشل في الناس، ﴿وقلَّبوا لك الأمور﴾ أي : دبروها من كل وجه، فدبروا الحيل، ودوروا الآراء في إبطال امرك، فأبطل الله سعيهم، ﴿حتى جاء الحقُّ وظهر أمرُ الله﴾ أي : علا دينه، ﴿وهم كارهون﴾ أي : على رغم أنفهم، والآيتان تسلية للرسول ﷺ والمؤمنين على تخلفهم، وبيان ما ثبطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له، وهتك أستارهم، وكشف أسرارهم، وإزاحة اعتذارهم. انظر البيضاوي.
الإشارة : الناس على ثلاثة أقسام : قسم أقامهم الحق تعالى لخدمة أنفسهم وحظوظهم ؛ عدلاً. وقسم أقامهم الحق تعالى لخدمة معبودهم ؛ فضلاً. وقسم اختصهم بالتوجه إلى محبوبهم ؛ رحمة وفضلاً.
فالأوّلون : أثقلهم بكثرة الشواغل والعلائق، ولو أرادوا الخروج منها لأعدوا له عدة بالتخفيف والزهد، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم، وقيل : اقعدوا مع القاعدين، أقامهم لإصلاح عالم الحكمة، وأما أهل الخدمة : فرآهم لم يصلحوا لصريح معرفته، فشغلهم بخدمته، ولو أرادوا الخروج من سجن الخدمة إلى فضاء المعرفة لأعدوا له عدة ؛ بصحبة أهل المعرفة الكاملة. وأما أهل التوجه إلى محبته وصريح معرفته فلم يشغلهم بشيء، ولم يتركهم مع شيء، بل اختصهم بمحبته، وقام لهم بوجود قسمته، ﴿يَختَصُ بِرحمَتِهِ مَن يَشَاءُ واللَّهُ ذُو الفَضل العَظيم﴾ [آل عمران : ٧٤]. وكل قسم لو دخل مع من فوقه على ما هو عليه، لأفسده، وما زاده إلا خبالاً وشراً. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨١
٨٢


الصفحة التالية
Icon