يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين﴾ ؛ قريشاً أو عِيرهَم، وعدكم ﴿أنها لكم وتَودون﴾ ؛ وتتمنون ﴿أنَّ غير ذات الشوكة﴾ أي : ذات الحرب ﴿تكونُ لكم﴾ وهي العير، فإنها لم يكن فيها إلا أربعون رجلاً، وتكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَدَدِهِمِْ وعُددهم، ﴿ويريد الله أن يُحق الحق﴾ أي : يظهر الحق، وهو الإسلام، بقتل الكفار وهلاكهم في تلك الغزوة، ﴿بكلماته﴾ أي : بإظهار كلماته العليا، أو بكلماته التي أوحى بها في هذه الحال، أو بأوامره للملائكة بالأمداد، أو بنفود كلماته الصادقة بهلاكهم، ﴿ويقطع دابر الكافرين﴾ أي : يستأصلهم ويقطع شوكتهم.
ومعنى الآية : أنكم تُريدون أن تُصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق، وما يحصل لكم من فوز الدارين، وإنما فعل ما فعل من سوقكم إلى القتال ؛ ﴿ليُحق الحق ويُبطل الباطل﴾ أي : ليُظهر الدين ويبطل الكفر.
قال البيضاوي : وليس بتكرار ؛ لأن الأول لبيان المراد، وما بينه وبين مرادهم من التفاوت، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول ﷺ على اختيار ذات الشوكة وقصره عليها. هـ. وقال ابن جزي : ليس تكرار للأول ؛ لأن الأول مفعول يريد، هذا تعليل لفعل الله تعالى، ويحتمل أن يريد بالحق الأول الوعد بالنصرة، وبالحق الثاني الإسلام، فيكون المعنى : أنه نصرهم ليظهر الإسلام، ويؤيد هذا قوله :﴿ويُبطل الباطل﴾ أي : يُبطل الكفر، ﴿ولو كره المجرمون﴾ ذلك، فإن الله لا بد أن يظهر دينه على الدين كله، ولو كره الكافرون.


الصفحة التالية
Icon