ثم وعدهم بما هو أكبر من ذلك فقال :﴿ورضوانٌ من الله أكبرُ﴾ ؛ لأنه المَبدأ لكل سعادة وكرامة، والمؤدي إلى نيل الوصول والفوز باللقاء. وعنه ﷺ :" إنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ : هَلْ رَضيتُم ؟ " فَيَقُولونَ : وَما لَنَا لا نَرضى وَقَد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحداً مَنْ خَلقِكَ، فيَقُول : أَنَا أُعطِيكُم أفضل مَنْ ذَلِكَ. قالوا : أَيّ شَيء أَفضَلُ مَنْ ذلِكَ ؟ قال :
٩٧
" " أُحِلَ عَلَيكُم رِضوَاني فَلاَ أسخَطُ عَلَيكُم أَبَدا " ﴿ذلك﴾ أي : الرضوان، أو جميع ما تقدم، ﴿هو الفوزُ العظيم﴾ الذي تستحقر دونه الدنيا وما فيها. هـ.
الإشارة : قد أعد الله لأهل الإيمان الحقيقي ؛ الذين بذلوا مهجهم وأموالهم في مرضاته، جنات المعارف، تجري من تحت أفكارهم أنهار العلوم والحِكَم، ومساكن طيبة، وهي : عكوف أرواحهم في الحضرة، متلذذين بحلاوة الفكرة والنظرة، في محل المشاهدة والمكالمة، والمساررة والمناجاة، ورضوان من الله، الذي هو نعيم الأرواح، أكبر من كل شيء ؛ لأن نعيم الأرواح أجل وأعظم من نعيم الأشباح، حتى أن المقربين ليضحكون على أهل اليمين، حين يرونهم يلعبون مع الولدان والحور، كما ذكر الغزالي. وأما المقربون فيشاركونهم في ذلك، ويزيدون عليهم بلذة الشهود.
قال القشيري، عند قوله تعالى :﴿إنَّ أصحبَ الجنَّة اليومَ في شُغُلٍ فَكِهُون﴾ [يس : ٥٥] : إنه لا تنافي بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم وبين شهود أمرهم، كما أنهم اليومَ مستلذون بمعرفته بأي حالةٍ هم فيها، ولا يَقْدَحُ اشتغالهم بحُظُوظِهِم في معارفهم. انتهى لفظه، وهو حسن. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٦


الصفحة التالية
Icon