وهذا معنى قوله :﴿فلما آتاهم من فضله بخلوا به﴾ أي : منعوا حق الله منعه، ﴿وتولوا﴾ عن طاعة الله ﴿وهم مُعرضون﴾ أي : وهم قوم عادتهم الإعراض عنها، ﴿فأعقَبهم﴾ أي : فأردفهم ﴿نفاقاً في قلوبهم﴾ ؛ عقوبة على العصيان بما هو أشد منه، أو فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقاً متمكناً في قلوبهم وسوء اعتقاد. قال البيضاوي : ويجوز أن يكون الضمير للبخل، والمعنى : فأورثهم البخلُ نفاقاً متمكناً في قلوبهم ﴿إلى يوم يَلْقونه﴾، أي : يلقون الله بالموت، والمراد : يلقون جزاءه أو عقابه. وذلك ﴿بما أخَلَفوا اللَّه ما وعدوه﴾ أي : بسبب إخلافهم ما وعده من التصدق والصلاح، ﴿وبما كانوا يكذبُون﴾ أي : وبكونهم كاذبين فيه ؛ فإن خلف الوعد متضمن للكذب، مستقبح من الوجهين.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٩
ألم يعلموا﴾ أي : المنافقون، أو من عاهد الله، ﴿أن الله يعلمُ سِرهُمْ﴾ أي : ما أسروا في أنفسهم من النفاق، ﴿ونجواهم﴾ ؛ ما يتناجون فيه، فيما بينهم، من المطاعن وتسمية الزكاة جزية، ﴿وأنَّ الله علامُ الغيوب﴾ ؛ فلا يخفى عليه شيء من ذلك، والله تعالى أعلم.
الإشارة : في الحِكَم العطائية :" من تمام النعمة عليك : أن يرزقك ما يكفيك،
١٠٠
ويمنعك ما يطغيك ". وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" خير الرِّزقِ ما يَكفي، وخَيرُ الذِّكرِ الخَفيُّ ". وقال ﷺ :" ما طَلَعت شمسٌ إلا وَبِجَنْبيها ملكان يُناديَان، يُسمعان الخَلائِقَ : أيُّها النَّاس، هلمُّوا إلى ربَّكم، ما قَلَّ وكَفى خَيرٌ مما كَثرَ وألهى ". وقال بعض العارفين : كل من لا يعرف قدر ما زوي عنه في الدنيا، ابتلى بأحد وجهين : إما بحرص مع فقر يتقطع به حسرات، أو رغبة في غنى تنسيه شكر ما أنعم به عليه.