أبداً ولن تُقاتلوا معي عدواً} ؛ عقوبة لهم، وفيها خزي وتوبيخ لهم، ﴿إنكم رضيتم بالقعود أَوَّلَ مرةٍ﴾، يعني : عن تبوك، وهو تعليل لعدم خروجهم معه في المستقبل، ﴿فاقعدُوا مع الخالفين﴾ أي : المتخلفين، أي : لعدم تأهلهم للجهاد كالنساء والصبيان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٣
الإشارة : من قلَّ إيقانه، وضعف نور إيمانه، فرح ببقائه، مع متابعة هواه وتيسير أمور دنياه، وكره ارتكاب مشاق المجاهدة، واقتحام حَر المخالفة والمكابدة، وثبط من رآه يروم تلك الوجهة، ويريد أن يتأهب لدخول ميدان تلك الحضرة ؛ فسَنَندم قريباً، حين يفوز الشجعان بحضرة الوصال، ويتأهلون لمشاهدة الكبير المتعال، ولا ينفع الندم وقد زلت القدم، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى. ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَـائِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة : ١٠ـ ١٢].
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٣
قلت :(أبداً) : ظرف لمات، أي : مات في مدة لا حياة بعدها ؛ فإنا حياة الكافر للتعذيب، وهي كلا حياة.
يقول الحق جل جلاله : لنبيه ﷺ :﴿ولا تُصَلِّ على أحدٍ﴾ من المنافقين إذا مات على كفره، بحيث (مات أبداً) أي : موتة لا حياة بعدها. نزلت في عبد الله بن أُبي رأس المنافقين، فإنه لما مرض، دعا رسول الله ﷺ، فسأله أن يستغفر له ويكفنه في ثوبه الذي يلي جسده، ويصلي عليه، فلما مات أرسل قميصه ليُكفن فيه، وذهب ليصلي عليه، فنزلت. وروي أن رسول الله ﷺ لما تقدم للصلاة عليه جَذَبَه جبريل بثوبه، وتلا عليه الآية فانصرف، ولم يصلِّ عليه. وقيل : صلى عليه ثم نزلت. وفي البخاري : أن رسول الله ﷺ لما تقدمَ للصلاة عليه جَذَبَهُ عمر، فقال : كيف تصلي عليه وقد نهاك ربك عن الصلاة على المنافقين ؟ فقال :" إِنَّما خَيَّرَنِي... " الحديث.