ثم ذكر ضدهم، فقال :﴿ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذُ ما يُنفق﴾ أي : يعد ما ينفقه من الزكاة وغيرها ﴿قرباتٍ عند الله﴾ ؛ تُقربهم إليه زلفى ؛ لإخلاصهم فيها. ﴿وصلواتِ الرسول﴾ أي : ويتخذ ما ينفق سبَبَ صلوات الرسول ؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يدعو للمتصدقين، ويقول : اللهم صل على فلان، ويستغفر لهم. ولذلك سُن للمصدّق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته، ولكن ليس له أن يصلي عليه، كما كان يفعل ﷺ ؛ لأن ذلك منصبه، فله أن يتفضل به على غيره. ﴿ألا إنها﴾ أي : نفقاتهم، ﴿قُربة لهم﴾ تقربهم إلى حضرة ربهم، وهذا شهادة من الله لصحة معتقدهم وكمال إخلاصهم، ﴿سَيُدخلهم اللهُ في رحمته﴾، وعدٌ من الله لهم بإحاطة الرحمة بهم، أو سيدخلهم في جنته التي هي محل رحمته وكرامته، والسين لتحقيق وقوعه. ﴿إن الله غفور رحيم﴾ ؛ يغفرما فرط من الخلل، ويتفضل برحمته على ما نقص عن درجات الكمال. قيل : إن الآية الأولى نزلت في أسد وغطفان وبني تميم ؛ فهم الذين يتخذون ما ينفقون مغرماً. والثانية نزلت في عبد الله ذي البجادين وقومه ؛ فهم الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله وصلوات الرسول. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد ورد الترغيب في سكنى المدن ؛ لأنها محل العلم وسماع الوعظ، وفيها من يستعان بهم على الدين، وورد الترغيب أيضاً في سكنى الجبال والفرارا بالدين من الفتن، وخصوصاً في آخر الزمان. ولهذا اختار كثير من الصحابة والتابعين سكنى البوادي ؛ كأبي ذر ؛ وسلمة بن الأكوع، وغيرهما ـ رضي الله عنهم ـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١١


الصفحة التالية
Icon