قلت : قرأ نافع وابن عامر : بغير واو ؛ مبتدأ حذف خبره، أي : معذبون، أو في :(لا تقم فيه أبداً)، أو في قوله :(لا يزال)، أو صفة لقوله :(وآخرون)، على من يقول : إن " المُرْجَوْن " غير الثلاثة المخلفين، بل في المنافقين الذين كانوا معرضين للتوبة مع بنيانهم مسجد الضرار. وهو قرأ بالواو فعطف على قوله :(آخرون)، أو مبتدأ حُذف خبره، أي : وممن وصفنا : الذين، أو منصوب على الذم، و(ضراراً) وما بعده : علة، وأصل (هارٍ) : هائر، فأخرت الهمزة، ثم قلبت ياء، ثم حذفت ؛ لالتقاء الساكنين.
يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ منهم ﴿الذين اتخذوا مسجداً ضِراراً وكُفراً﴾ أي : لأجل المضارة بالمؤمنين والكفر الذي أسروه، وهو تعظيم أبي عامر الكافر، ﴿وتفريقاً بين﴾ جماعة ﴿المؤمنين﴾ الذين كانوا يُصلون في مسجد قباء.
رُوي أن بَني عَمْرو بن عوف لَمَّا بَنَوا مسجد قُباء سألوا رَسُولَ اللهِ ﷺ أن يأتيهمْ فيصلي فيه، فأتاهُمْ فصلَّى فيه، فَحَسدتهم إخوانُهم ؛ بَنو غُنم بن عوفٍ، فبنوا مسجداً على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب، إذا قدم من الشام، فلما أتموه أتوا رسول الله ﷺ، فقالوا : إنا قد بنينا مسجداً لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة، فصل لنا فيه حتى نتخذهُ مصلى، وكان ذلك قبل خروجه لتبوك، فقال لهم :" إني عَلى جَنَاح سَفَرٍ، وإذا قَدِمنا، إِن شاء الله، صلَّينا فيه ". فلما قدم أتوه، فأخذ ثوبه ليقوم معهم، فنزلت الآية، فدعا مالك بن الدُّخشم، ومَعن بن عدي، وعامر بن السَّكن، فقال : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه ؛ ففعلوا، واتخذوا مكانه كناسة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٨
ثم أشار إلى قصدهم الفاسد، فقال :﴿وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله﴾ ؛ أي : واتخذوه انتظاراً ليؤمهم فيه من حارب الله ورسوله، يعني : أبا عامر الراهب، فإنه قال
١١٨


الصفحة التالية
Icon