قال البيضاوي : لمَّا منعهم من الاستغفار للمشركين، ولو كانوا أولي قربى، وتضمن ذلك وجوب التبري منهم رأساً، بيَّن لهم أن الله تعالى مالك كل موجود، ومتولي أمره والغالب عليه، ولا يتأنى لهم ولاية ولا نصرة إلا منه، ليتوجهوا إليه ويتبرؤوا مما عداه، أمره حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه. هـ.
الإشارة : وما كان الله ليضل قوماً عن السير إلى حضرته، أو الترقي في العلوم والمعارف بعد الوصول، حتى يُبين لهم ما يتقون من سوء الأدب على لسان الشارع أو المشايخ، فإذا تبين لهم ذلك ثم ارتكبوه وأصروا عليه، أضلهم، وأتلفهم عن الوصول إلى حضرة قدسه، فإنَّ كل طاعة وحسن أدب يقرب من الحضرة، وكل معصية وسوء أدب يُبعد عن الحضرة، وقد قالوا : من أساء الأدب على البساط، طُرد إلى الباب، ومن أساء الأدب في الباب، طُرد إلى سياسة الدواب. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٥
قلت : في " كاد " ضمير الشأن، ويرتفع بها قلوبُ.
١٢٦
يقول الحق جل جلاله :﴿لقد تابَ الله على النبي﴾ أي : برأه وطهره من الذنوب، كقوله :﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّر﴾ [الفتح : ٢]، ﴿و﴾ تاب على ﴿المهاجرين والأنصار﴾ مما عسى أن يكون ارتكبوه ؛ إذ لا يخلو العبد من ذنب أو عيب. وقيل : هو حض على التوبة، وإظهار لفضلها، بأنها مقام الأنبياء والصالحين، وقيل : تاب عليهم من نقص المقامات التي ترقوا عنها، إلى ما هو أكمل منها، فما من أحد إلا وله مقام يستنقص بالنسبة إلى ما فوقه.
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : ذكر توبة من لم يذنب ؛ لئلا يستوحش من أذنب، لأنه ذكر النبي ﷺ، والمهاجرين والأنصار، ولم يذنبوا، ثم قال :﴿وعلى الثلاثة الذين خُلفوا﴾، فذكر من لم يذنب ليؤنس من قد أذنب، فلو قال أولاً : لقد تاب على الثلاثة لتفطرت أكبادهم. هـ.