﴿فإن تولَّوا﴾ عن الإيمان بك، بعد هذه الحالة المشهورة، التي منَّ الله عليهم بها، ﴿فقلْ حسبيَ اللهُ﴾ أي : كافيني أمركم ؛ فإن قلت ذلك يكفيك شأنهم ويعنيك عليهم، أو فإن أعرضوا فاستعن بالله وتوكل عليه، فإنه كافيك، ﴿لا إله إلا هو﴾ ؛ فلا يُتوكل إلا عليه، ﴿عليه توكلتُ﴾ ؛ فلا أرجو ولا أخاف إلا منه، ﴿وهو ربُّ العرش العظيم﴾، أي : المُلك العظيم، أو الجسم الأعظم المحيط، الذي تنزل منه الأحكام والمقادير.
وعن أُبي : آخر ما نزل هاتان الآيتان. وعن النبي ﷺ :" ما نَزَل القرآنُ عليَّ إلا آية آيةً، وحرفاً حرفاً، ما خَلاَ سورة براءة " و ﴿قل هو الله أحد﴾ فإنهما أُنْزِلَتَا عليَّ ومَعَهُمَا سْبعون ألف صفٍ من الملائكة ". قاله البيضاوي وهاتان الآيتان أيضاً مما وجدَتَا عند خزيمة بن ثابت، بعد جمع المصحف، فألحقتا في المصحف، بعد تذكير الصحابة لهما وإجماعهم عليهما. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤
الإشارة : ينبغي لورثته ـ عليه الصلاة والسلام ـ الداعين إلى الله، أن يتخلقوا بأخلاقه ﷺ، فيشق عليهم ما ينزل بالمؤمنين من المشاق والمكاره، وييسرون ولا يعسرون عليهم، ويحرصون على الخير للناس كافة، ويبذلون جهدهم في إيصاله إليهم، ويرحمونهم ويشفقون عليهم، فإن ادبروا عنهم استغنوا بالله وتوكلوا عليه، وفرضوا أمرهم إليه، من غير أسف ولا حزن.
وقال الورتجبي : قوله تعالى :﴿عزيز عليه ما عنتم﴾، اشتد عليه مخالفتنا مع الحق، ومتابعتنا هوانا واحتجابنا عن الحق. قال بعضهم : شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف. قال سهل : شديد عليه غفلتكم عن الله وهو طرفة عين. ثم قال في قوله تعالى :﴿فإن تولوا فقل حسبي الله...﴾ الآية : سَلى قلبه بإعراضهم عن متابعته، مع كونه حريصاً على هدايتهم،
١٣٥
أي : ففي الله كفاية عن كل غير وسِوى.
قال القشيري : أمَره أن يَدْعُو الخَلْقَ إلى التوحيد، ثم قال له : فإِنْ أَعرضوا عن الإجابة فكُنْ بنا، بنعت التجريد. ويقال : قال له :﴿يا أيها النبي حسبك الله﴾، ثم أمره أن يقول : حسبي الله. قوله تعالى :﴿حسبك﴾ : عين الجمع، وقوله :﴿حسبي الله﴾ فَرْق، بل هو الجمع، أي : قُلْ، ولكن بنا تقول، فنحن المتولون عنك وأنت مُستَهْلَكٌ في عين التوحيد ؛ فأنت بنا، ومَحْوٌ عن غيرنا. هـ.
وبالله التوفيق. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
١٣٦
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤


الصفحة التالية
Icon