الإشارة : من حسن الأدب ؛ السكون تحت مجاري الأقدار، والتسليم لأحكام الواحد القهار، " فليس الشأن تُرزق الطلب، إنما الشأن أن تُرزق حسن الأدب "، وحسن الأدب : هو الفهم عن الله ؛ فإذا شرح صدرك للدعاء، فادع ولا تكثر، فإن المدعو قريب، ليس بغافل فيُنبه، ولا ببعيد فتنادي عليه، فإذا دعوته وأجابك فاشكره، وإن أخَّر عنك الإجابة فاصبر ؛ فقد ضمن الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
١٤٥
يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد أهلكنا القرونَ من قبلكم﴾ يا أهل مكة، ﴿لمَّا ظلمُوا﴾ بالكفر وتكذيب الرسل، ﴿وجاءتهم رسلُهم بالبينات﴾ : بالمعجزات الواضحات، الدالة على صدقهم، ﴿وما كانوا ليؤمنوا﴾ أي : ما استقام لهم أن يُؤمنوا، لما سبق لهم من الشقاء ولفساد استعدادهم، أو ما كانوا ليؤمنوا بعد أن هلكوا لفوات محله، ﴿كذلك﴾ أي : مثل ذلك الجزاء ـ وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم الرسل وإصرارهم عليه، بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم ـ ﴿نجزي القوم المجرمين﴾ أي : نجزي كل مجرم، أو نجزيهم، ووضع المظهر موضع المضمر ؛ للدلالة على كمال جرمهم، وأنهم أعلام فيه. قال البيضاوي.
﴿ثم جعلناكم﴾ يا أمة محمد ﴿خلائف في الأرض من بعدِهم﴾ من بعد إهلاكهم، فقد استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها، استخلاف من يختَبرُ ﴿لننظُرَ﴾ أي : لنظهر ما سبق به العلم، فيتبين في الوجود، ﴿كيف تعملون﴾، أخيراً أم شراً ؟ فنعاملكم على مقتضى أعمالكم.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :" إنما جعلنا خلفاً لينظر كيف عملنا، فأروا الله حسن أعمالكم في السر والعلانية " وكان أيضاً يقول :" قد استخلفتَ يا ابن الخطاب، فانظر كيف تعمل ".