﴿قل﴾ لهم يا محمد :﴿ما يكون﴾ : ما يصح ﴿لي أن أبدِّله من تلقاء نفسي﴾ : من قِبل نفسي، وإنما اكتفى بالجواب المذكور عن التبديل ؛ لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر، قل لهم :﴿إنْ﴾ أي : ما ﴿أتبعُ إلا ما يوحى إليَّ﴾، لا أقدر أن أقول شيئاً من عندي. قال البيضاوي : هو تعليل لما يكون، فإن المتبع لغيره في أمر لم يستبد بالتصرف فيه بوجه، وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات لبعض، ورد لما عَرّضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه واختراعُه، ولذلك قيد التبديل في الجواب وسماه عصياناً فقال :﴿إني أخاف إن عصيتُ ربي عذاب يوم عظيم﴾ يوم القيامة، وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح. هـ.
﴿قل لو شاءَ اللهُ ما﴾ أرسلني إليكم، ولا ﴿تلوتُه عليكم ولا أدْرَاكم﴾ أي : أعلمكم ﴿به﴾ على لساني. وفي قراءة ابن كثير : ولأدراكم، بلام التأكيد، أي : لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري.
والمعنى أنه الحق لا شك فيه، لو لم أُرْسَل به أنا لأرسل به غيري. وحاصل المعنى : أن الأمر بمشيئة الله لا بمشيئتي، حتى أجعله على نحو ما تشتهون. ثم قرر ذلك بقوله :﴿فقدْ لبثتُ فيكم عُمُراً﴾ منذ أربعين سنة ﴿مِن قبله﴾ أي : من قبل نزول هذا القرآن، لا أتلوه ولا أعلم منه شيئاً، وفيه إشارة إلى القرآن معجز خارق للعادة، فأن من عاش بين أظهرهم أربعين سنة لم يدرس فيها علماً، ولا يشاهد عالِماً، ولم ينشد قريضاً ـ أي : شعراً ـ ولا خطبة، ثم قرأ عليهم كتاباً أعجزت فصاحتُه كل منطيق، وفاق كل منظوم ومنثور، واحتوى على قواعد عِلْمي الأصول والفروع، وأعرب عن أَقاصيص الأولين وأحاديث الآخرين على ما هي عليه، عُلم انه معلم به من عند الله. قاله البيضاوي.
١٤٧
فكل من له عقل سليم أدرك حقِّيته، ولذلك قرعهم بقوله :﴿أفلا تعقلون﴾ أي : أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر، فتعلموا أنه ليس من طوْق البشر، بل هو من عند الحكيم العليم الواحد القهار.


الصفحة التالية
Icon