﴿إنَّ رسلنا﴾ الحفظة ﴿يكتبون ما تمكرون﴾ فنجازيكم عليه. قال البيضاوي : هو تحقيق للانتقام، وتنبيه على أن ما يدبرون في إخفائه لم يَخفْ على الحفظة فضلاً أن يخفى على الله. وعن يعقوب :" يمكرون " بالياء ليوافق ما قبله. هـ. قال ابن جزي : هذه الآية للكفار، وتتضمن النهي لمن كان كذلك عن غيرهم، والمكر هنا : الطعن في آيات الله وترك شكره، ومكر الله الموصوف بالسرعة هو عقابه لهم، سماه مكراً مشاكلة لفعلهم، وتسمية للعقوبة باسم الذنب. هـ.
فنزول الرحمة بعد الشدة آية تدل على كمال قدرته. وقد وَرَدَ أنه لما نزل بهم القحط التجأوا إليه ﷺ وقالوا : يا محمد ؛ إنك جئت تأمر بمكارم الأخلاق، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله يغيثنا، فدعا، فنزل عليهم الغيث، فكانت معجزة له ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
ثم ذكر آية أخرى فقال :﴿هو الذي يُسيركم﴾ يقدرته ﴿في البَرِّ والبحر حتى إذا كنتم في الفلك﴾ : السفن، ﴿وجَرَيْنَ بهم﴾ بمن فيهم، عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة، كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم، ففيه التفات. ومقتضى القياس : وجرين بكم ﴿بريح طيبةٍ﴾ : لينة الهبوب، ﴿وفَرحُوا بها﴾ لسهوله السير بها، ﴿جاءتها ريحٌ عاصفٌ﴾ أي : شديد الهبوب، ﴿وجاءهم الموجُ من كل مكانٍ﴾ من كل جهة لهيجان البحر حينئذ، ﴿وظنوا أنهم أحيطَ بهم﴾ أي : أهلكوا، أو سُدت عليهم مسالك الخلاص، كمن أحاط به العدو.


الصفحة التالية
Icon