الإشارة : كما بعث الله في كل أمة رسولاً يذكرهم ويدعوهم إلى الله، بعث الله في كل عصر وليَّاً عارفاً، يدعو الخلق إلى معرفة الله وتوحيده الخاص، فمن سبقت له العناية آمن به من غير طلب آية، ومن سبق له الخذلان لا يصدق به ولو راى ألف برهان. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٧
الحق جل جلاله :﴿ثم بعثنا﴾، من بعد هؤلاء الرسل ﴿موسى وهارون إلى فرعون ومَلَئه بأياتنا﴾ التسع، ﴿فاستكبروا﴾ عن اتباعها، ﴿وكانوا قوماً مجرمين﴾ معتادين الإجرام، فلذلك تهاونوا برسالة ربهم، واجترؤوا على ردها، ﴿فلما جاءهم الحقُّ من عندنا﴾ وعرفوه، وهو بعثه موسى عليه السلام ؛ لتظاهر المعجزات على يديه، القاهرة المزيحة للشك، ﴿قالوا﴾ من فرط تمردهم :﴿إنَّ هذا﴾ الذي جئت به ﴿لسحرٌ مبين﴾ : ظاهر.
﴿قال﴾ لهم ﴿موسى للحقَّ لمَّا جاءكم﴾ إنه سحر، فكيف يقدر السحرة على مثله ؟ ﴿أسحرٌ هذا﴾ : أيتوهم أحد أن يكون هذا سحراً ؟ ﴿ولا يُفلح الساحرون﴾ أي : لو كان سحراً لاضْمَحَلَّ، ولم يُبطل سحرَ السحرة، والعالم بأن الساحر لا يُفلح لا يستعمل السحر، فهذا كله من كلام موسى عليه السلام، أو من تمام قولهم ؛ إن جعل قوله :" أسحرٌ هذا " محكياً لقولهم، كأنهم قالوا : أجئتنا بالسحر لتطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون، والأول أرجح.
﴿قالوا أجئتنا لِتَلْفتنا﴾ ؛ لتصرفنا ﴿عما وجدنا عليه آباءنَا﴾ من عبادة الأصنام، ﴿وتكون لكما الكبرياءُ في الأرض﴾ : الملك فيها، سمي كبرياء لاتَّصاف الملوك
١٧٨
بالتكبر، ﴿وما نحن لكما بمؤمنين﴾ : بمصدّقين.


الصفحة التالية
Icon