جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٩
يصيب به} بذلك الخير ﴿من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم﴾، فتعرّضوا لخيره بالتضرع والسؤال، ولا يمنعكم من ذلك ما اقترفتم من العصيان والزلل، فإنه غفور رحيم.
١٩٠
الإشارة : ينبغي لمن تمسك بطريق الخصوص، وانقطع بكليته إلى مولاه، أن يقول لمن خالفه في ذلك : إن كنتم في شك من ديني ـ من طريقي ـ فلا أعبدُ ما تعبدون من دون الله، من متابعة الهوى والحرص على الدنيا، ولكن أعبدُ الله الذي يتوفاكم، وأمرت أن أكون من المؤمنين، وأن اقيم وجهي للدين حنيفاً مائلاً عن دينكم ودنياكم، كما قال القائل :
تَرَكتُ للِنَّاسِ دُنْياهُمْ ودِينَهم
شُغْلاً بِذِكرِكَ يا دِيني ودُنيَائِي
قال آخر :
تَرَكتُ لِلنَّاس مَا تَهوَى نُفُوسُهُم
مِن حُبِّ دُنيَا وَمِن عِزٍّ وَمِن جَاهِ
كَذاكَ تَرْكُ المَقَامَاتِ هُنَا وهُنَا
والقَصْدُ غَيْبَتُنا عَمَّا سِوَى اللَّهِ
﴿ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك﴾، وهو ما سوى الله، فليس بيد أحد ضر، ولا نفع، ولا جلب ولا دفع، قال في الحكم :" لا ترفعنَّ إلى غيره حاجة هو مُوردها عليك، فكيف يرفع إلى غيره ما كان هو له واضعا ؟ ! من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه ؛ فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً ؟ ! ".
قال بعضهم : من اعتمد على غير الله فهو في غرور ؛ لأن الغرور ما لا يدوم، ولا يدوم شيء سواه، وهو الدائم القديم، لم يزل ولا يزال، عطاؤه وفضله دائمان، فلا تعتمد إلا على من يدوم عليك منه الفضل والعطاء، في كل نفس وحين وأوان وزمان. هـ.