﴿قال﴾ تعالى :﴿يا نوح إنه ليس من أهلك﴾ ؛ لأنه خالفك في الدين، ولا ولاية بين الكافر والمؤمن، ﴿إنه عملٌ غير صالح﴾ أي : ذو عمل فاسد. جعل ذاته نفس العمل ؛ مبالغةً. وقرأ الكسائي ويعقوب :(عَمِلَ) بلفظ الماضي. أي : عمل عملاً فاسداً. استحق به البعد عنك. أو : إنه ـ أي سؤالك ـ عملٌ غير صالح. ويقوي هذا قراءة ابن مسعود :" إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم، وقراءة الجماعة :﴿فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ﴾ أصواب هو أم لا، حتى تقف على كنهه. وإنما سمي نداءه سؤالاً ؛ لتضمنه معنى السؤال، بذكر الوعد واستنجازه واستفسار المانع.
ثم وعظه بقوله :﴿إني أعظُكَ أن تكون من الجاهلين﴾ أي : إني أعظك ؛ كراهة أن تكون من الجاهلين الذين يسألون ما لا يوافق القدر. وقد استثنيته بقولي :﴿إلا من سبق عليه القول﴾. وليس فيه وصفه بالجهل، بل وعظه لئلا يقع فيه، والحامل له على السؤال، مع أنه استثنى له ؛ غلبة الشفقة على الولد ؛ مع كونه لم يتحقق أنه ممن سبق عليه القول.
﴿قال﴾ نوح : يا ﴿رب إني أعوذُ بك أن أسألكَ﴾ في المستقبل ﴿ما ليس لي به علمٌ﴾ ؛ ما لا علم لي بصحته. ﴿وإلا تغفرْ لي﴾ ما فرط مني من السؤال، ﴿وترحمني﴾ بالتوبة، تفضلاً وإحساناً، وبالتوفيق والعصمة في المستقبل، ﴿أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ بسوء أدبي معك.
٢١٨
الإشارة : قال الورتجبي : أدَّب نبيه نوحاً عليه السلام بأن لا يسأل إلا ما وافق القدر. كل دعاء لم يوافق مراده تعالى في سابق علمه لم يؤثر في مراد الداعي. وقوله :﴿إنه عمل غير صالح﴾ أي : ليس عمله على موافقة السنة، ثم وعظه، وقال :﴿إني أعظك أن تكون من الجاهلين﴾، الجاهل : من جهل قدر الله، أي : أنزهك عن سوء الأدب في السؤال، على غير قاعدة مرادك. هـ. وقال في الحكم :" ليس الشأن وجوب الطلب، وإنما الشأن أن ترزق حسن الأدب ".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٨